يتسلّل إلى بيته ليلاً كما لو أنّه سيقترف جريمة نكراء. وحين يشرب من الكأس، يبدو كأنّه في صورة شعاعيّة... فتصطكّ الأسنان من الخوف
زياد عبد الله
لا خوفَ عليكم من الخطايا والموبقات. هناك مَن يرصدها ويذكّرنا بها لئلا نضلّ. ثمة حسٌّ إنسانيّ رحب مستعدّ لأن يحرقنا بعطفه وحنانه. إنّها النار أيها الكفرة، يا مَن تقربون الخمر والعياذ بالله، ولا حاجة هنا للبحث عن مضار أو فوائد، ولا مشاكل اجتماعية، لا هذا ولا ذاك. النار والجحيم في انتظاركم متى لامستم كأس ويسكي، وهل بمقدوركم احتمالها يا أشقياء؟ لن ينفع الثلج في إخماد النار التي ستقترب من الكأس في إعلان تطالعنا به محطة «روتانا»، حيث نرى رجلاً يتسلّل إلى بيته ليلاً كما لو أنّه سيقترف جريمة نكراء، فإذا به يضع في كأس بضعَ مكعّبات ثلج ويصب فوقها الويسكي، وهو يشاهد التلفزيون الذي لا نعرف ما يبثه ــــ ربما يشاهد أغنية خارقة على «روتانا» ــــ ومن ثم فجأة يطالعنا سطر يقول «إذا بتقدر تتحمل النار على خفيف»، وحين يشرب الرجل الكأس المحمَّرة من النار، فإنه سيحرق نفسه، ويصير كما لو أنه في صورة
شعاعية.
تصطك الأسنان من الخوف، يشعل أحدهم ولاعة ويقرّبها من يده ويكتشف أنه حقيقةً لا يستطيع احتمالها، فكيف بجهنم وبئس المصير، فليغي حالاً الكحول من حياته، حتى أنه قد يتوقف عن تعقيم أي جرح بواسطة السبيرتو. بينما يهرق أحدهم قنينة ويسكي غير آسف عليها، وخصوصاً أن ما بقي فيها قليل جداً وهذا ينسجم تماماً مع الإعلان، بعدها تتوالى «كليبات» روتانا، ونطمئن على أن الرداءة بخير... لا حلال ولا حرام فيها، الرداءة الأرضية التي لا يطالها رب.

يعظونك كما لو أنك في مدرسة ابتدائية رديئة
Slogan «مؤسسة الوليد بن طلال الإنسانية» يقول في نهاية الإعلان «التزامنا.. ليس له حدود»، فتقول حسناً. إنه التزامكم بترهيبنا على هذا النحو من السذاجة، وتقسيم الحياة إلى حلال وحرام، وقتل الوعي الشخصي والإنساني، وإحالته إلى ما وراء الغيوم.
تتوالى «الكليبات» ومعها كومة مهيّجات لحواسنا. تفكر بأن قليلاً من الخمر ينسينا كل هذا فتمضي نحو كثيره. وتتذكر أن الأفلام العربية القديمة ستطالعك على «روتانا كلاسيك»، فتهرب إليها على أمل بالحنين للأبيض والأسود، فتظهر أسمهان وهي تغني «ليالي الأنس بفيينا» وتردد معها: «ما بين رنين الكاس ورنة الألحان»، فيصيبك الحنين وهي تقول «ساعة هنا لو تصفالك تنسى الكون» وتمضي خلف حلم يقظة طارئ وقد وصلت الأغنية «افرح افرح» وأنت ترى نفسك قد أصبحت واحداً من أثرياء العالم، وصار بمقدورك أن تحتكر الذائقة الفنية وتقرّر الخير والشر، الحلال والحرام، وتنعم في الدنيا وتحتكر الآخرة.. تصحو من الحلم فيعاودك كابوس حياتك التي لم يتغير فيها شيء، ومعها الفقر والقهر والجوع بدمغة عربية لا مثيل لها. مع ذلك، هناك من يعظك كما لو أنك ما زلت في مدرسة ابتدائية رديئة.