زينب مرعيعشر نساء بالأبيض المَرضي، الأسود الجنائزي والأحمر الدموي في المعرض الفردي الثالث للفنان بونوا دبّانة. التشكيلي القادم من فضاء الرسم المصوّر، الغرافيتي والـ“بوب آرت” يقتل في معرضه In Loving Memory، نساءً ما عادت ذاكرته قادرة على تحمّل عبئهنّ. هكذا، يأتي الفن ليخلّصه من عذابه وهواجسه. نساء يرقدن على مساحة اللّوحات المعروضة في غاليري The running horse. حيناً، تراها ميتة، عيناها مغمضتان والدم يغطّي شفتيها، وأحياناً، تبدو في غاية الحسيّة، بشعرها الداكن وشفتيها القرمزيّتين، كأنّها فنّانة Pin up. يعزّز دبانّة هذا الانطباع لدى المتلقّي عبر الوضعيّة التي يعطيها لنسائه. هو الحب والموت. ازدواجيّة في الرؤية وازدواجيّة في المعايير. المرأة هنا قاتلة أم مقتولة؟ فيBody bag هي جثّة هامدة تختفي تدريجاً في الكيس الذي يغلَّف فيه الأموات، وفي “كذبة” هي تشبه دراكولا، تبدو مستعدة لقتلك.

أسلوب مشبع بالغرافيتي والـ“بوب آرت”
هكذا يرى دبّانة المرأة: “النساء يمثّلن تهديداً بالنسبة إليّ. المرأة الجميلة ستؤذيك حتماً. هذه هي رسالة المعرض”. تلك هي فرصة دبّانة إذاً للانتقام من النساء اللّواتي هجرنه. عنف في اللّوحات، يفجّر فيها قلوب نسائه، أو يجعل أجسادهن تتفتّت. لخلق هذا المشهد، يستدعي الفنّان تقنيات الفنون الأخرى التي يمارسها. هكذا، يستعير من فنّ الغرافيتي تقنيّة العمل بالاستنسل، الرشّ بالعبوة ليبعثر الدماء على لوحاته، كما محاولته تصوير عبارة ما، فيكتبها بالخط العريض على اللّوحة. يكتب بالأحمر الجمل التي كانت خلف ولادة اللّوحة. مصادر الوحي في هذا المعرض بالنسبة إلى دبّانة، كانت جملاً شعريّة لبودلير، وأخرى من أغانٍ لفرقة Noir Desir وليو فيرّي. سوداويّة مصادر الوحي تظهر جليّة في لوحات دبّانة، يخفّفها بالنزعة الحسيّة في اللّوحة. “أقدّم هنا فنّاً رومنسياً ومقلقاً في آن واحد. كنت بحاجة إلى أن أقتلهنّ كي أمضي قدماً بحياتي وأتخطّاهنّ” يقول.
يحصر الفنان الألوان التي يستعملها، بالأبيض والأسود والأحمر، كي يخلق انسجاماً بصرياً بين اللّوحات. لكنّ أعماله تقترب أيضاً من فنّ الكوميكس ـــــ أحد تفرّعات “البوب آرت”، الفن الأقرب إلى قلب دبّانة ـــــ فيخفّف من وطأة مناظر الدماء والتشريح في لوحاته. في ساحة القتال التي يقودها دبّانة ضدّ هواجسه والماضي، لم تخرج إلّا امرأة واحدة حيّة. هي تلك التي رسمها في “قمر”. هنا، يرقّ صوت دبّانة، وتخفّ حدّة سخريته عندما يتحدّث عنها، ويستنتج أنّها الوحيدة التي لا يريدها أن تموت في ذاكرته... فمن انتصر في النهاية؟


حتى 29 تشرين الثاني (نوفمبر)، غاليري The running horse (الكرنتينا/ بيروت). للاستعلام: 01/562778