ذلك طيف آخر اختفى إلى الأبد. لن نكفّ عن ترداد هذه الجملة مع مرور جثة آيمي واينهاوس من أمامنا، يحملها رجال ببدلات رسمية وخطوات رصينة أمام منزلها في لندن. سنعي أننا لا نرددها إلا لتبرير التلصّص الذي قمنا به، أو أجبرنا عليه طوال فيلم «آيمي» لآصيف كاباديا (عرض ضمن تظاهرة منتصف الليل في «مهرجان كان السينمائي الدولي» 2015).
متعة التلصّص على حياة الآخرين لن تطول في الشريط الوثائقي (127 د) الذي يعرض عند التاسعة والنصف من مساء اليوم ضمن «مهرجان بيروت الدولي للسينما». والمواساة تتضاعف حين نمتدح فعل الآخر الذي جاء لينصف آيمي واينهاوس أخيراً. الآخر هو آصيف كاباديا، المخرج الهندي البريطاني الذي يرسم حياة بصرية موازية لحياة آيمي واينهاوس. سيرة هشة، بداية طموحة، مجد و«جوائز غرامي» ثم جثة مغطاة بقماشة نبيذية. فتاة يهودية بسيطة تعيش في شمالي لندن، تعشق الموسيقى وتعاني من اضطرابات كثيرة. من هنا تبدأ الرحلة التي يستند فيها آصيف كاباديا إلى أرشيف مصور وأغنيات لم نسمعها من قبل وفيديوات لآيمي تعود إلى المراهقة، ومقابلات مع المقربين منها مع مدير أعمالها نيك شيمناسكي وأصدقائها ومرافقها الشخصي ووالدها وزوجها بلايك فيلدر ــ سيفيل.

يستند إلى أغنيات لم نسمعها من قبل وفيديوات لآيمي المراهقة

من الواضح أن سرعة مرور اللقطات المصورة الأساسية هي خيار صارم لدى آصيف كاباديا في الشريط يوازي سرعة الشهرة التي لحقت بها. مقابلات وجلسات حميمة، وضحكات آيمي التي ترفض عدسة أصدقائها، فتغطي وجهها بوسادة تصطحبها معها داخل السيارة. قيل الكثير في موتها عام 2011، تسمم كحولي ومخدرات. لكن آصيف يحفر في مكان آخر. مكان وزمان يسبقان تلك الليلة المقيتة والقاتلة في منزلها في كامبدن بسنوات. لا يهم المخرج السبب المباشر الذي تبنّاه الناس لوفاة آيمي. نتابع البداية كأنها الوداع. حياة تمضي سريعاً، ولا أحد يستطيع إيقافها، كقطار فقد عقله أو أفقد عقله عمداً. آيمي تتوجه إلى حتفها محاطة برجال كانت تعشقهم. «إذا كان والدي يعتقد أنني بخير» كما تقول في أغنيتها Rehab، مؤكدة أن إدمانها لم يفعل شيئاً سوى إقناع والدها بأنها كانت بخير، فإن ميتش واينهاوس، الذي أصدر ألبومين منذ وفاة آيمي، لم يتوقف هنا. أرسل ميتش كاميرات التلفزة إلى جزيرة سانت لوسيا حيث كانت تبحث عن الراحة من عدسات الباباراتزي والمخدرات. والد آيمي الذي يكاد يختفي في بداية الفيلم، بسبب انفصال والديها، يكثر حضوره، للصدفة اللطيفة، مع بروز آيمي كنجمة. سنذكر دائماً آيمي وهي تطوي كم كنزة بلايك فيلدر سيفيل، الرجل اللعنة الذي يدور معظم ألبوم «باك تو بلاك» حول علاقتها به. تعرفت آيمي إليه في حفلاتها الأولى في بارات لندن. من خلال هذه اللقطات يظهر كاباديا الخلفية الموسيقية لآيمي ومشهد لندن الموسيقي وهوسها بالجاز. حياة آيمي المعقدة ظاهرة، ومرض البوليميا و»رغبتها في العيش وحيدة لتدخين الحشيش»، تشكل كلها أرضية قابلة للإدمان والمخدرات التي كان سيفيل السبب الأساسي بها، وتؤكد أن «الحب لعبة خاسرة» أبداً، مع والدها ومع عشيقها بلايك فيلدر سيفيل. يستند الشريط أيضاً إلى بعض المواد الإعلامية التي رافقت حياتها، وهي اللقطات نفسها التي يسعى كاباديا طوال الشريط إلى مواجهتها بمواد حقيقية عن حياة آيمي. لو أنها سمعت «فقط كلمة تشجيع واحدة»، يردّد المرافق الشخصي للمغنية البريطانية، لو أنها فقط سمعت ذلك لما كنا رأينا ذلك المشهد البائس الذي يخترق الفيلم من دون مقدمات؛ جسد آيمي الملتف بغطاء نبيذي.

«آيمي»: 21:30 من مساء اليوم ــ ABC أشرفية (بيروت). للاستعلام: 76/300901