في «كتاب الألعاب» تنفلش فكرة الشاعرة على مجمل قصائدها. دينامية العمل، وحقيقة أنه فكرة في أساسه، تفسران الشكل الخاص الذي يتمظهر فيه. المجموعة الصادرة حديثاً عن «شرقيات» للشاعرة المصرية التونسية الأصل رنا التونسي (1981)، تتخذ، نظراً لفكرتها المُسيطرة، حيّزاً لافتاً في مجال كتابة قصيدة النثر، ولن يكون من الخطأ اعتبارها نوعاً من الرسالة من الشاعرة الى قارئها، تستمر ترداداتها على امتداد المجموعة.
مقاطع شعرية مبنية بطريقة مستقلة، تترك وتستعيد، وتُحوّل المشاهد المختلفة والموضوعات، على نحو يُحقّق في آن واحد، نوعاً من الاستمرار من مقطع شعري الى آخر، لمزيد من تأكيد الفكرة. إيقاع عابث للقصائد القصيرة، وضراوة الى حدّ معين، يمنحان مجموعة التونسي حيوية وقوة. إنها الضراوة الفعالة لصالح الحالة، في مظهر عدواني يقترب في مفرداته من التحدّي الدائم والمتصاعد، في محاولة الشاعرة إظهار الأنثى فيها الى جانب دورها الأمومي، تصحبهُ حالة نشوة، وبالذات في المقاطع المُستفزة، والأكثر مجابهة في العمل. تخرجت التونسي من «الجامعة الأميركية في القاهرة»، ثم نالت ماجستير في التربية كما درست علم اللغويات. وهي تعيش وتعمل حالياً في الدوحة، ولها مجموعات شعرية عدة منها: «ذلك البيت الذي تنبعث منه الموسيقى»، و«وطن اسمه الرغبة»، و«تاريخ قصير».
الديوان كما أرادته الشاعرة هو تصوّر العالم عن فكرة الأمومة، وكيف أنها مليئة بالإنسانية لكنها مجرّدة من الحياة في الوقت نفسه. تقول التونسي كأن إنسانية الأم هي في أمومتها، عدا ذلك لا نعرفها وعليها أيضاً ألا تحاول معرفة نفسها، وتتساءل التونسي عن كيف نتربى مجتمعياً على أن ننسى ذواتنا كأن ذلك النسيان سيوصلنا إلى مكانة مقدسة لانريدها في الحقيقة. قدسية تحل مكان العيش. سعي التونسي هو أن تخرج من ضيق هذه الفكرة التي تحصر الأمومة في مطهر التضحية والإحساس غير المبرّر بالذنب. في «كتاب الألعاب» حاولت التونسي أن تعبر ولو في الخيال هذه الحدود ليعرفها من يُحبّها. ليتعرّف علييّ ابني – تقول التونسي – في قصائدي الأولى، ليرى أنني مثله أتعوّد على الحياة. أن يرى هشاشتي وأحلامي وتمسكي وحبي له. القدسية التي أردتها كانت للتجربة. كنت أكتب وأشعر أني أريد أن يراني ابني هكذا كما أنا.
ما هي الإضافة أو الاختلاف في مجموعتك هذه عمّا سبقها؟ «الديوان لا يجب بالضرورة أن يختلف عن تجارب أو مجموعات سبقته. ما زلتُ أعبر في طرقات الوحدة، واشعر دوماً أني أعبر درجات مكسورة في فيلم أبيض وأسود لا أخرج منه، ولو خرجت لا يصّدق وجودي أحد. لكني لا أريد أن أخرج أيضاً. ربما يجد بعض من يقرأ قصائدي في هذا الديوان، اختلافاً عن دواويني السابقة، وربما لا. مشروعي الوحيد عند الكتابة هو الشعر وليس عندي تصوّر آخر، ولا تصوّر عن أنني أريد أن أكتب شيئاً مبهراً ولافتاً».
الجزء الثاني من الديوان يحمل عنوان رسائل. «هي رسائل حب حاولت فيها أن استمر في نفس فكرة الجزء الأول من الديوان، أن الصق نفسي بصورة كثيفة بالحياة، صور وأن النجاة ليست على الجانب الآخر. أن الحب والحلم كلها طرق والعاب للتحايل على العيش. بالطبع حين أبدأ بالكتابة لا تكون الأفكار واضحة، لكن هو هذا تصوري عن الديوان».
من أين تأثراتك بالشعر؟ «أتأثر دوماً بالرواية أكثر من الشعر، وأحبّ من الروائيين كونديرا، وخصوصاً قصته القصيرة «الأم» التي أحببتها جداً. أحبّ تصوّر كونديرا عن الكتابة وروح اللعب في كتابته. في الشعر، لا أعرف من شاعري أو شاعرتي المفضلة. أحبّ آلان بوسكيه وأخماتوفا وشمبورسكا والكثير من الشعراء العرب أيضاً.
هل اختلفت حياتك في الخليج عنها في القاهرة؟ «في الخليج اشعر اني اتكلم لكن ليس لي صوت. في مصر لا أنتهي من الكلام أبداً».