صار الموقع كنزاً يومياً للخبر الغريب والنادر. هنا، تجد حملات لمقاطعة إسرائيل وأخرى لمقاطعة تامر حسني! لكن ماذا يحدث حين يتحوّل الموقع الاجتماعي الشهير إلى مصدر موثوق به؟

محمد خير
حملة لاسترداد رأس نفرتيتي من متحف برلين وإعادته إلى مصر. هل تفلح؟ هل يعود الرأس الأثري المسلوب؟ تُرى، ماذا سيكون رأي الألمان عندما يدركون أنّ هذه الحملة ما هي إلا «غروب» أنشأه مستخدمو «فايسبوك»؟ بالطبع، ثمة مفاوضات عويصة بين الجهتين المصرية والألمانية، لكن حملة «فايسبوك» أكثر جاذبية للإعلام. إنّها مثل حملة «عايزين حرية جنسية» أو حملة «خروف العيد للمطحونين». جميعها مجموعات من بين عشرات الآلاف التي تؤسَّس يومياً على الموقع الاجتماعي الشهير، لا تهم سوى أصحابها، وقد تهم علماء الاجتماع، وصفحات المنوعات في الصحف اليومية. أما في الصحافة العربية، فقد توسّع الـ«فايسبوك» وتوحّش ليس فقط لأنّ أخباره أصبحت تتصدر مواقعنا وصحفنا، بل المشكلة أنّه راح يتحول يوماً تلو آخر إلى مصدر إخباري!
من المعروف أن الخبر الصحافي من دون مصدر لا يُعد خبراً. وقد يجوز أحياناً تجهيل المصدر لكن مع الإشارة إليه، على غرار «مصادر دبلوماسية في القاهرة»... وقد يكون المصدر شخصاً أو هيئة أو وكالة أو حتى وسيلة إعلام أخرى. أما أفضل تعريفات الخبر وأكثرها اختصاراً فهو أنّه «حدث آني يهم الرأي العام». وهو كي يكون كذلك، ينبغي أن يكون حدثاً غريباً أو نادراً (رجل عض كلباً) أو عادياً يصدر عن شخص مشهور (زواج ممثلة). لكنّ الخبر الأفضل بالتأكيد ــــ وفقاً لما سبق ــــ هو الحدث الغريب الصادر عن شخص مشهور. من هنا، يمكن «تفهم» ما الذي يدفع فنانين إلى الإتيان بتصرفات غريبة. إن الاهتمام بواقعية الخبر ومصداقيته ونسبته إلى مصدره أمور تحتاج قدراً من التدريب والمعرفة والعلاقات المتراكمة. لكنّها مع عصر الإنترنت، العربي خصوصاً، واجهت خلل معايير. إذ لا يفرِّق الكثير من المستخدمين بين الخبر «الصحيح» صحافياً، أي المنسوب إلى مصدر ذي مصداقية، والأخبار المجهلة والشائعات والنقل عبر منتديات الشبكة المعلوماتية. بل إن بعض المستخدمين لا يفرِّق بين ما سبق وبين «المعلومات» التي ترد في التعليقات الإلكترونية على المواقع، فيتعامل معها على أنها حقائق. ولا يقع اللوم هنا على المستخدم وحده، بل أيضاً على الأنظمة التي أعاقت نمو الصحافة العربية وعوّدت القارئ على أن النص المطبوع، الخاضع للرقابة، هو الحقيقة بعينها. وقد انتقلت تلك «الحقيقة» مع القارئ إلى الإنترنت، وتقع مسؤولية مماثلة على العديد من مواقع الإنترنت العربية التي وجدت نفسها متحررة من الالتزامات البيروقراطية والقانونية للصحافة المكتوبة... فتحررت أيضاً من الالتزامات المهنية. بين هذا وذاك، وجد القارئ نفسه في مناخ يساعده على التخلي عن أي نظرة نقدية لما يقرأ، فهو يفضل غالباً الهجوم المضاد! إن نظرة عابرة لنشاط التعليقات الإلكترونية في أي موقع عربي تكشف عن «داحس وغبراء» في كل مكان، لكن ما علاقة ذلك كله بـ«فايسبوك»؟
وجد الإعلام العربي في هذا الموقع كنزاً سحرياً. إنه «مصدر» يومي للخبر الغريب والنادر («حملة تأنيث محال اللانجيري»، أو «حملة اخلعي نقابك»). إنه مكان النقيض والنقيض: حملات لمقاطعة إسرائيل وأخرى لمقاطعة تامر حسني. حملات دفاعاً عن شرب الكحول وأخرى لمقاطعتها. الإيجابيات؟ لكل صوت مكان. لكن تعارض الأصوات

إنشاء مجموعة جديدة لاسترداد رأس نفرتيتي من متحف برلين وإعادته إلى مصر

لا يمنح أفضلية، إعلامية، لبعضها على بعض، بسبب سهولة الاستخدام وتأسيس المجموعات بغض النظر عن حجم عضويتها. علماً بأن حجم عضوية مجموعة ما، لا يصب بالضرورة في تأييد فكرتها، بل قد تكون غالبية الأعضاء معارضةً لهدف المجموعة. من ثم، فإن «الخبر» المنقول يعطي مدلولاً خاطئاً، لأنه قد لا يعبر عن أكثر من شخص لا هو بالمشهور ولا تصرفه بالواقعي، هو سلوك افتراضي لا يحمل وصف «حملة»، فضلاً عن كونها حملة «تطالب بكذا». كما أن سهولة إنشاء مجموعة ينزع صفة الغرابة أو الندرة التي تمنح الأخبار أهميتها.
لقد بيّنت أزمة مباراة مصر والجزائر خطورة الاستخفاف بالتحريض الإعلامي، المتصل بشبكة المعلومات. إذ استخدُم «فايسبوك» لا كوسيلة بث كراهية فحسب، بل كوقود لآلة الإعلام الجهنمية التي وجدت في الموقع الاجتماعي مصدراً رخيصاً لإعادة تدوير البغضاء: مجموعة جزائرية تدعو لكذا، ومجموعة مصرية تهدد بكذا... لقد أصبح كل الجزائريين ثلة مشجعين حرقوا فانلة المنتخب المصري، وأصبح كل المصريين مسؤولين عن صور مسيئة بثت على «فايسبوك» ضد الجزائريين. ومعظم تلك الممارسات كان يمكن أن تظل معزولة لولا نشرها بواسطة إعلام منحها حجماً أكبر من حجمها الطبيعي، ببساطة لأنه اعتبرها مصدراً لخبر. مصدر لا يمكن محاسبة مسؤوليه لأنهم مجرد أسماء مستعارة متحرّرة من كل ما يحفظ للخبر أهليته المعلوماتية والقانونية.


طرائف وآثار

جولة سريعة على المواقع الإلكترونية التي تستقطب أكبر عدد من الأعضاء المصريين، تؤكّد نظرية إقبال أعضاء «فايسبوك» على المجموعات الغريبة والطريفة. مثلاً مجموعة «عشرين جملة 95% من شباب مصر بيقولوها للبنات» استطاعت جذب أكثر من 60 ألف عضو. كذلك فإن صفحة «أنا مصري مش عربي»، تخطّى عدد أعضائها 20 ألفاً، وهي صفحة كما يذكر المشرفون عليها مخصصة «للمصريين فقط». إضافة إلى ما سبق، يبقى للمجموعات الأثرية المصرية، حصتها عند الجمهور المصري وحتى العالمي، إذ وصل عدد مجموعة «مصر القديمة» إلى أكثر من 200 ألف عضو.