القدس المحتلة ـــ نجوان درويشغالباً ما يصوِّر عاموز عوز (1939) قضيّة الصراع العربي الصهيوني بتشبيهات أدبية طريفة وتبسيطية، يمكن أن تغرّ أصحاب المعرفة السطحية بالمشروع الصهيوني وبالقضية الفلسطينية. كأن يشبِّه «الصراع» بعلاقة طلاق تستدعي تقاسم البيت. وغالباً ما تخفي استعاراته التبسيطية منطقه الاستعماري ــــ حين تتجاهل الواقع الاستعماري وتسمّيه «صراعاً».
يردّد عاموس عوز الذي انتقلت روايته «قصّة عن الحبّ والظلام» أخيراً إلى المكتبة العربية عن «دار الجمل» (راجع البرواز أقصى اليسار)، أنّ «الصراع» هو بين الحق اليهودي والحق الفلسطيني. لكن فهمه لإحقاق الحقوق مسألة أخرى. هو مع «دولة» فلسطينية يمكن اللاجئين العودة إليها، لكن لا إلى أرضهم التي عليهم أن يعترفوا بأنّها «إسرائيل». هو مع «دولة فلسطينية» ضرورية لترسيخ المشروع الصهيوني وتصفية القضية الفلسطينية.
أيّد العدوان الأخير على غزة تحت لافتة «لإسرائيل حقّ الرد وحماية نفسها»، لكنه يستدرك بأنّ «الرد» كان مبالغاً فيه وينتقد المبالغة. ولم يكن الأمر مختلفاً في عدوان تموز 2006 حين وصف المقاومة اللبنانية بالإرهاب، محوّلاً الأنظار عن الإرهاب الحقيقي، الإسرائيلي بطبيعة الحال. إنه لا ينتقد الجرائم الإسرائيلية باعتبارها جرائم مخزية، لكن باعتبار أن الحضارة تستدعي إتقان الجرائم! وكذلك بالنسبة إلى الجدار الإسرائيلي. هو يدافع عن بنائه بل يراه ضرورياً، لكنّه يعترض على التجاوزات في مساره. ومن يشاهد المقابلات التلفزيونية التي يجريها عوز، فسيرى كم يمكن الفاشية أن تكون أنيقة ولبقة في تقديم نفسها!
وعوز من أكثر الكتاب الإسرائيليين حضوراً في الإعلام الغربي، حيث يقدّم خطاباً صهيونياً معدّلاً، جذاباً في الظاهر لكنه عنصري واستعلائي ومزيّف حين يُفحَص في ضوء ما يجري فعلاً على أرض الواقع.
لكن إن كان عوز مجرّد بيّاع حكايات فاشي، فهل يمكن ترويجه كـ«روائي كبير» و«يساري»؟ نعم هذا ممكن، إذا ما راجعنا كيف صُنعت صورة عاموس عوز في العالم، وكيف يقدّم منذ سنوات في العالم العربي. وهو ما يشير إليه الباحث أحمد أشقر (نشرة «كنعان» الإلكترونية ـــ تموز/ يوليو 2009): «يُسَوَّق عوز بالقول إنه «يساري»؛ ليس من «اليسار الصهيوني» فحسب، بل من حلفائهم العرب الذين باتوا يتحالفون أيضاً مع اليمين الصهيوني وبعض الأوساط الليبرالية في العالم». أما عن كون عوز من «أكثر الكتّاب «الإسرائيليين» ترجمةً وانتشاراً في العالم، فيذهب أشقر إلى «أنّ هنالك دوراً مهمّاً للمؤسسة الإسرائيلية في مسألة تسويقه كـ«يساري»، فهي بحاجة إلى بوق إعلامي يتحدث بخطاب شكليّ مغاير للغة السياسيين».
قبل سنوات، سمعت من أحد المثقفين اللبنانيين المهووسين بكل ما هو إسرائيلي، الاعتراف الآتي. بعدما قرأ مجموعة من روايات عوز بترجمات فرنسية، كان المسكين مضطراً للقول في لحظة صدق: «أهذا الذي خبصوا الدنيا بأدبه؟ إن روايات عوز لا تزيد على سيناريوات أسامة أنور عكاشة»! جملة مماثلة من شخص قد لا يشاركنا الموقف من المشروع الصهيوني ورموزه ومنتجاته، لا بد من أن تدفع المتحمّسين إلى التفكير قليلاً في القيمة الأدبية لروايات عوز، ولا سيما أنه يقدَّم ــــ وفي بلاد العرب أخيراً ــــ على اعتباره «روائياً كبيراً» وأن هذه «حقيقة» مسلّم بها! وهو تسليم يبدو بسيطاً مقارنة بسذاجة التسليم به «يسارياً» و«داعية سلام». الأمر إذاك يشبه من يرى في الرشّاش (وليكن «العوزي» إذا أردتم اللعب على الاسم) غصن زيتون أخضر.... ومن شنّف أذنيه بـ«هديل» الدبابة!