strong>مزاج الجمهور الأميركي لم يعد مع حرب العراقبقي البريطاني بول غرينغراس وفياً لقناعاته السياسيّة، فخذلته المعايير الإنتاجيّة. يدخلنا شريطه إلى الحديقة الخلفيّة للفقاعة الأمنيّة التي بناها الأميركيون لأنفسهم في بغداد، فوق تلّة من الأدلّة المزوّرة. لكن، ربّما كان علينا أن ننتظر بعض الشيء قبل أن «تكتشف» هوليوود فعليّاً... احتلال العراق!

نيويورك ــ عماد خشان
«صدق أو لا تصدّق، العالم ليس متلهفاً لسماع الرواية الأميركيّة عن حرب العراق». وجد بول غرينغراس صاحب «المنطقة الخضراء» نفسه أمام هذه الخلاصة المريرة. صحيفة «نيويورك تايمز» قالت إنّ شريط السينمائي البريطاني «يتحدّث عن ضحايا حرب العراق، وأول تلك الضحايا هي الحقيقة التي قتلها بوش ومحافظوه الجدد». اعترافٌ مماثل لم ينقذ شركة «يونيفرسال» من خسارة حقيقيّة بعد إطلاق الفيلم الذي بلغت كلفته مئة مليون دولار. إذ فضّل المواطن الأميركي مشاهدة شريط تيم بورتون «أليس في بلاد العجائب» (راجع المقال أدناه) وارتمى في أحضان الفانتازيا هرباً من كابوس الحرب.
طريقة هوليووديّة للتعبير عن رفض الشارع الأميركي لمواصلة الحرب
لكنّ الأرباح المتدنيّة حالة عامّة للأفلام التي تروي حرب العراق. مثلاً، شريط كاثرين بيغلو Hurt Locker، لم يحصد أرباحاً تذكر رغم فوزه بالـ«أوسكار». مزاج الجمهور الأميركي لم يعد مع حرب العراق، بعدما اكتشف أكاذيب إدارته السابقة، ثمّ أتت الأزمة الاقتصاديّة لتدقّ المسمار الأخير في نعش الأفلام التي لا تقوم على الترفيه. مع ذلك، يبقى الموقف النقدي من غزو العراق الذي تتخذه أفلام كـ«المنطقة الخضراء»، طريقة هوليووديّة للتعبير عن رفض الشارع الأميركي لمواصلة الحرب.
Green Zone، مقتبس عن كتاب راجيف شاندراساكاران، «الحياة الإمبراطورية في المدينة الزمردية» (2006). سرد المدير السابق لمكتب صحيفة «واشنطن بوست» في بغداد، الحديقة الخلفيّة لـ«المنطقة الخضراء» أو الحي الأميركي في العاصمة العراقيّة. بين الفيلات والمطاعم الفاخرة، نتابع تفاصيل ولاية بول بريمر في فقاعته الأمنيّة. الحاكم العسكري حينها وممثل الإمبراطورية الأميركية في العراق، عاث فساداً في بلاد الرافدين قبل أن يخرج سراً منها عام 2004.
شريط غرينغراس عبارة عن أفلام عدة في واحد. من كتاب راجيف شاندراساكاران، نجده يستلهم نمط الحياة في «المنطقة الخضراء»، قبل أن يبني حقيقةً موازيةً تقارب الأحداث الفعليّة بأسماء مستعارة. ملامح شخصيّة بريمر نجدها في صنوه السينمائي كلارك باوندستون (غريغ كينير)، الذي يمثّل كل من زوّر الأدلة من أجل غزو العراق. وتزوير الأدلّة هو موضوع الشريط الحقيقي الذي يتحوّل من فيلم حربي إلى فيلم بوليسي، يدور الصراع فيه بين أجنحة السلطة والجيش والاستخبارات الأميركية المختلفةيؤدّي مات دايمون هنا دور روي ميلر، الضابط في الجيش الأميركي الذي كلّف مهمة إيجاد أسلحة الدمار الشامل. في إحدى مهمّات البحث، يجد نفسه في مصنع مراحيض مهجور، وتبدأ رحلة شكّه بالمعلومات الاستخبارية. ينتقل الشريط من قصّة إلى أخرى، إذ ينخرط ميلر في رحلة البحث عن الجنرال الراوي (ييغال ناؤر) الذي يملك أسرار مواقع أسلحة الدمار الشامل المفترضة. يتعاون ميلر مع فريد (خالد عبد الله) وهو عراقي حانق على النظام البعثي الذي أرسله ليحارب في إيران. يذهب الشريط أبعد من ميدان المعركة، مع شخصيّة لوري داين (آمي ريان) الصحافية في «وول ستريت جورنال». داين إحالة سينمائيّة إلى قصّة الصحافية جوديث ميلر التي روجت لحرب العراق على صفحات «نيويورك تايمز» قبل أن تكتشف أنّ معلوماتها خاطئة. هنا، تظهر كيفية تلاعب إدارة بوش بالصحافة التي نشرت معلومات من دون التدقيق في صحتها، استناداً إلى «مصدر رفيع في واشنطن».
يدخل «المنطقة الخضراء» تدريجاً في كليشيه الفيلم الأميركي التقليدي، حين يكتشف ميلر أنّ الأسلحة غير موجودة. هكذا، يكتب تقريراً يرسله إلى الصحف عبر البريد الإلكتروني، ثمّ يسلّمه باليد لكلارك باوندستون، و... يلكمه على وجهه. يفعل هنا ما يتمنى كل مواطن أميركي فعله في وجه بوش وتشيني ورامسفيلد.
لكنّ الشريط لا يقدّم إجابات مريحة، لا عن بداية الحرب ولا نهايتها المحتملة. سيحتاج الأمر إلى سنوات طويلة قبل أن تعيد الدولة الغازية النظر بتجربتها... وعندها فقط، قد نرى أفلاماً من طينة Full Metal Jacket (١٩٨٧) لستانلي كوبريك الذي قام بمراجعة قاسية لحرب فييتنام.
قال بول غرينغراس كلمته ومضى، فيما طردت «يونيفيرسال» كل الذين تبنّوا انتاج Green Zone. هؤلاء كانوا قد سمحوا بإنتاجه أساساً في محاولة لاسترضاء غرينغراس، وإقناعه بإخراج جزء رابع من سلسلة Bourne الجاسوسيّة الشهيرة مع مات دايمون في دور جايسون بورن. رفض المخرج الصفقة، إذ فضّل هو ودايمون إنجاز فيلم يعكس اقتناعاتهما السياسيّة. كانت النتيجة شريطاً هجيناً، يجمع بين جايمس بوند وجايسون بورن وتوني داماتو (شخصية آل باتشينو في Any given Sunday)، إضافةً إلى الصحافي بوب وودورد في شريط «كل رجال الرئيس». وعمّا إذا كان الفيلم يحتاج إلى كل هذه الخلطة ليكون ناجحاً، فإن «المنطقة الخضراء» يثبت العكس. لم تكن الخلطة بديلاً ناجحاً لقصة تركّز على حيوات شخصياتها في عالم لا تتحكّم بمجرياته إلا قليلاً.

Green Zone ــ «سينما سيتي» (01/899993)، «أمبير غالاكسي» (01/544051)، «غراند لاس ساليناس» (06/540970)، «أمبير سوديكو» (01/616707)، «غراند سينما ABC» (01/209109)، «غراند كونكورد» (01/343143)