في 27 آذار (مارس) 2005، رحل «إمبراطور السينما المصرية» تاركاً إرثاً فنياً غنياً، لعب فيه أدواراً متنوّعة. «النجم الأسمر» الذي لم تُنقذه الأضواء وحبّ الناس، أدمن العزوبية وفشل في حياته العاطفية
هناء جلاد
منذ خمس سنوات، توقّف قلب أحمد زكي عن الخفقان (27 مارس 2005). حمل «إمبراطور السينما العربية» سنواته الـ56، ورحل من دون إنجاز فيلم «حليم» حتى النهاية.
لكن نهايته وشهرته اللتين جعلتاه النجم المصري الأول، لم تشبها أبداً طفولته. الممثّل الأسمر، ولد عام 1949، وتوفّي والده ولما يتخطَّ عامه الثاني. مثّلت هذه الحادثة محوراً مفصلياً في حياته، فأُبعد عن والدته ولم يرها إلا عندما بلغ السابعة: «كانت امرأة حزينة، قبّلتني من دون أن تتكلم ورحلت... تصاحبني نظرتها حتى اليوم» هكذا قال في إحدى مقابلاته الصحافية. حاول أحمد زكي عبد الرحمن الهروب من اليتم مراراً، وقرّر كسب رهان الحياة. هكذا، التحق بمعهد الفنون المسرحية. في القاهرة، تراكمت الأحاسيس المتناقضة داخله، «كان التمثيل منفذي (...) أصبح المسرح بيتي، ورأيت الناس يهتمون بي ويحيطونني بالحب، فعرفت مجالي الطبيعي».
تيتّم مرّتين مع وفاة والده ثم رحيل الشاعر صلاح جاهين
لكن مجدداً، عاد ليشعر باليتم مع وفاة والده الروحي الشاعر صلاح جاهين الذي كان من أكثر المؤمنين بموهبته. الشاعر المصري رأى أن زكي لن يحتمل الحياة بقساوتها، وخصوصاً بعدما ذاق طعم الشهرة. هكذا بدأت الشائعات تطارد الممثل الشاب، فاتُّهم بالغرور، إلى أن ترددت أخبار عن إدمانه المخدرات. ولعلّ نجاحه الكبير في فيلم «المدمن» (1983)، زاد من حدّة اتهامه بالإدمان. وفي وقت كانت تزداد الشائعات، كان يثبت أنّه من أبرز نجوم السينما المصرية. دشّن زكي ظاهرة جديدة في السينما حين رفض أن يُستعان بممثّل بديل، لتأدية الأدوار الخطيرة، فتعلّم السباحة، وألقى بنفسه من سيارة مسرعة في فيلم «طائر على الطريق» (1981)، ونام في ثلاجة للموتى خمس دقائق في «موعد على العشاء» (1981). كما برع في شخصية إسماعيل في «عيون لا تنام» (1981) لما فيها من أحاسيس متناقضة من العدوانية والجشع والبحث عن البراءة.
لكن نجاحه الحقيقي كان قبل هذه الأفلام. لمع نجمه في فيلم «شفيقة ومتولي» (1978) الذي جمعه بالـ«ساندريلا» سعاد حسني. ثم استعان به يوسف شاهين، لتأدية دور الشاب المصري المثقف الذي يقاوم العنصرية ويعشق فتاة يهودية في «إسكندرية ليه» (1978).
مع بداية الثمانينيات، بدأت أدوار البطولة المطلقة تنهال عليه، فكرّت سبحة أعماله التي رسخت قناعة الجمهور بقدرة شاب غير وسيم (وفق المفهوم التقليدي للوسامة) على التفرد بالنجومية. هكذا، قدّم أدواراً متنوّعة، من دور عازف الطبلة في «الراقصة والطبال» (1984)، ثمّ ابن الأثرياء في «الليلة الموعودة» (1984)، فالملاكم الذي يحقق النجاح في الغربة في «النمر الأسود» في العام نفسه. كما استطاع مفاجأة الجميع بشخصية الفلاح في «البيه البواب» (1987). وعاد في عام 1988، بثلاثة من أهم أفلامه وهي «زوجة رجل مهم»، و«أحلام هند وكاميليا»، و«الدرجة الثالثة».
ومع بداية التسعينيات، قدّم نماذج جديدة من الأفلام، بدور الصحافي الوصولي في «امرأة واحدة لا تكفي» (1990) مع إيناس الدغيدي، والدجال المثقف في «البيضة والحجر» (1990)... وصولاً إلى «الراعي والنساء « آخر أفلام سعاد حسني (1991). كل ذلك من دون أن يغيب عن الأدوار الكوميدية، فأطلّ في فيلم «سوق الهانم» (1994).
وحين سرقته نشوة العظماء، قدّم فيلمه الكبير «ناصر 56» (1996)، ثمّ «أيام السادات» (2001)، و«معالي الوزير» (2002)، وأخيراً «حليم» الذي رحل قبل أن يُكمل تصوير كل مشاهده، فأكمل ابنه هيثم دوره في العمل.
وبموازاة النجاح المهني، واجه زكي فشلاً في حياته العاطفية. ولم يكتب لأي من علاقاته النجاح، ربما بسبب إدمانه الوحدة التي رافقته منذ الطفولة، فتزوّج من الممثلة الراحلة هالة فؤاد عام 1985، وانفصلا بعد عام واحد على ولادة ابنهما الوحيد هيثم.