بعد ستة عقود من العمل المسرحي، أقرّ بتواضع بأنّه «لا يزال يتعلم»، مستعيداً ذكرياته ومسرحياته خلال لقاء احتفائي أقيم أخيراً في قاعة الجواهري في مقر اتحاد الأدباء في بغداد. إنّه يوسف العاني عميد المسرح العراقيّ وأحد مؤسّسي «فرقة الفن الحديث». خلال الاحتفاء، أراد العاني أن يخرج عن المألوف في تقديم المبدعين لأنفسهم. هكذا، قرأ مجموعة من قصائد شعريّة أوجز بها مسيرته. والمفاجأة التي فجّرها العاني خلال اللقاء تشبه مسرحه: أعلن أنّ «الشباب كانوا يكرهونني». وعلّل ذلك بأنّه كان يميّز توّاً «صاحب الموهبة الذي يمتلك قدرة عالية على إثارة الدهشة لدى المشاهد، وهذا ما جعل كثيرين لا يطيقون صراحتي».لا يمكن الاحتفاء بالمسرح العراقي من دون الوقوف عند هذه القامة الفريدة. ولا يمكن جلسة تحتفي بتجربة العاني أن تمرّ من دون أن تشير الى أنّ هذا الرائد المسرحيّ الذي ولد في عام 1927، عاش يتيماً وغريباً متنقلاً بين بيوت أقربائه. دفعه اليتم الى أن يحقّق ذاته بطريقة مميّزة. منذ دراسته في الصف الرابع الابتدائيّ، صعد الى مسرح المدرسة وأدى دوراً تمثيليّاً، جعل معلمه يعجب به ويقول: ستصل الى «مسرح المدينة» يوماً ما. خلال طفولته، نظر الى «جانب الكرخ» في بغداد على أنّه مسرح مفتوح، أبطاله فقراء وأغنياء وجد أنّ الحي يعجّ بالمفارقات والعجائب، فصنع حينها مسرحاً شعبيّاً وجعل أبناء المحلّة يمثّلون، فاشتهر بينهم، بـ«يوسف البهلوان». وانطلاقاً من فكرة عبّر عنها في أكثر من عمل مثّل فيه أو كتبه، رأى العاني أنّه «لا وجود لشيء لا يتمكّن الفن من تجسيده على المسرح».
الكتّاب والنقاد الذين كرّموه، لم يختلفوا على ثراء منجز العاني، لكنهم تباينوا في درجات التعبير عن جوانب مضيئة من حياته. الناقد فاضل ثامر، رئيس «الاتحاد العام للأدباء والكتّاب» في العراق، قال عنه «إنّه جزء من ظاهرة وطنيّة عراقيّة، وابن جيل أسّس للثقافة العراقيّة». بينما ذكر المخرج والكاتب المسرحيّ حسين علي هارف أنّه حين «كان يُعدّ رسالة الدكتوراه عن الموندراما قبل أكثر من عقد، لم يجد أحداً كتب في هذا اللون من المسرح قبل يوسف العاني. كتب «مجنون يتحدّى القدر» في عام 1949 وقدمت كعمل مسرحيّ في عام 1950».
ورغم أنّه يغيب لشهور أحياناً عن بغداد، إلا أنّه «ليس بالبعيد عن العراق» كما يقول، لأنّ تراجيديا بلده تعيش معه يوميّاً، فهو «يظلّ مشفراً إلى حدّ النخاع بالوعي الطبقيّ والاجتماعيّ، ومسرحياته تنزل إلى الأعماق المحتجبة»، كما وصفه عميد كلية الفنون الجميلة في بغداد الناقد المسرحي عقيل مهدي يوسف.
حسام...