محمد محسنلا تكفي ساعة واحدة للحديث عن عنوان شائك مثل «الوحدة الإسلامية». كُتب كثيرة نُشرت تحت هذا العنوان الذي خضع في أوقات أكثر للتجاذبات والمزايدات الإعلامية. كذلك فإنّ مناقشته على المستوى الإسلامي النخبوي، لم تصل إرهاصاتها إلى عموم الجمهور. لكن أول من أمس، كانت الصورة مختلفة بعض الشيء في الندوة التي نظمتها التعبئة التربوية في «حزب الله» في «مجمع الإمام الصادق» (طريق المطار ـــــ بيروت). ندوة «الأمة والتحديات المعاصرة ـــــ الوحدة الإسلاميّة» اعتلى منبرها الشيخان رئيس «قسم العقائد والأديان» في «جامعة دمشق» محمد سعيد البوطي، ومدير «معهد المعارف الحكميّة» في لبنان شفيق جرادي. وطغى العنصر الشاب على صفوف الجمهور. الندوة جاءت فرصة ثمينة لنقل الحوار من الحوزات والمجمعات العلمية، إلى الجامعات وعامة الناس، ممن يكوّنون عصب الوحدة أو عصب أيّ فتنة مذهبية تهيّئ السياسة ظروفها.
ماذا نفعل بعد انتصارنا على عدوّنا؟ هل نبقى مشتّتين؟ هل أصبح النصر مدعاة خوف للمسلمين؟ وما هي معوقات الوحدة؟ هكذا، جهد الشيخان في الإجابة عن هذه الأسئلة قدر الإمكان.
في مداخلته، قارن البوطي بين التحدّيات التي واجهها المسلمون في صدر الإسلام الأول، وبين ما يواجهونه حالياً، ورأى أنّ التحديات الأولى كانت أصعب. دخل في صلب الموضوع مباشرةً، متحدّثاً عن معوقات الوحدة، ومقسّماً إياها إلى قسمين: الأول هو السياسة، نافياً أن يكون أمر حلّها «في أيدينا. للأسف هو في أيدي أعدائنا». أما القسم الثاني، فهو تعدد غايات المذاهب الإسلامية. هنا، أوضح البوطي أن مسألة التعدد مفيدة جداً، وخصوصاً إذا تكاملت الأهداف. وبعد استعراض سريع للواقع العام والمتشائم بعض الشيء، وضع البوطي تفاؤله في سلّة «كتلة» جمع بها قوى المقاومة في المنطقة، معتبراً أنّ الوعي هو من أهمّ عناصر الوحدة، ومن دونه لا ينفع أيّ سلاح. في مداخلته، مال الشيخ شفيق جرادي إلى توضيح بعض العناوين الملتبسة، بالنسبة إلى رأي المسلمين الشيعة في مسألة الوحدة. هي أصل من الأصول ترتبط بالإمامة «التي غايتها حفظ النظام ووحدة المجتمع الإسلامي». ثم ضرب مثلاً حساساً، يرتبط بأولوية الوحدة على التكليف الشرعي،

الوعي من أهمّ عناصر الوحدة، ومن دونه لا ينفع أيّ سلاح
ناقلاً عن مرشد الثورة الإيرانية علي خامنئي قوله «لو رأينا أن العمل بالتكليف الشرعي يؤدي إلى التشنج ويضرب الوحدة، فالتكليف محرّم وحفظ الوحدة هو الواجب». وقد شدد جرادي على فكرة مقاومة «الطاغوت» وهو مصطلح ديني، للتعريف بعدو الأمة والحاكم الظالم. انطلق من فكرة معاداة «الطاغوت» ليتأسف على «تحوّله حليفاً لبعض المسلمين من أجل مصالح ذاتية فقط».
وأمام الشبان الحاضرين، شجّع جرادي المنافسة بين الجماعات والمذاهب نحو الأفضل «وهو ما يشجع الانتقال من الانقسام نحو التكامل». وفي نهاية كلمته، قدّم جرادي اقتراحات للولوج نحو الوحدة الإسلامية، توجه في أوّلها إلى علماء الدين داعياً إياهم «إلى تأسيس فهم عقائدي يقرّب، حتى لو لحظ الاختلاف». وختم بالدعوة إلى إجراء حوار جدي، ليس على مستوى المؤسسات والأحزاب فحسب، «بل بين الإخوة». والهدف؟ إزالة الصور النمطية السيئة لدى بعض المسلمين عن بعضهم الآخر.