لم تهدأ الأقلام ولا المواقع الإلكترونية ـــ سعوديةً كانت أو إيرانية ــــ عن ضخ منسوب عال من الاتهامات المتبادلة بشأن حادثة مشعر «منى» منذ الخميس الماضي، أي تاريخ حادثة وفاة أكثر من 700 شخص من جنسيات مختلفة، أغلبهم أفارقة وإيرانيون ومغاربة بسبب التدافع الشديد. هذه الحادثة التي شهدها موسم الحج هذا العام، لم يسبق أن حصلت منذ أكثر من 25 عاماً. لذا، شرّعت هذه المأساة باب الصراع السياسي والإعلامي مجدداً بين السعودية وإيران، واحتدمت المواقف التصعيدية من الطرفين، حتى وصلت في الكثير من الأحيان الى درك مذهبي مخيف، وخصوصاً من المنابر الخليجية.
الإعلام السعودي ما لبث أن عمّم رواية واحدة في إلقاء المسؤولية على الحجاج الإيرانيين عبر الادعاء بأنهم خالفوا تعليمات «التفويج»، وبأن جزءاً منهم قد ارتدّ عكسياً في شارع 204 الضيق في منى. وفيما فنّدت هذه الرواية بالصوت والصورة على شاشة «العربية» يوم السبت الماضي، كانت صحيفة «سبق» السعودية تستغل هذه المأساة لتصفية حساباتها مع إيران. الصحيفة قفزت عن الحدث وراحت تفتح ما سمته «ملفاً أسود لطهران»، وتحدثت عن «تجاوزات إيرانية عبر حملات ترويج للثورة الإسلامية بين الحجاج»! وادعّت بأن إيران تستغلّ مناسك الحج «لمحاولة يائسة لاستقطاب المسلمين الوافدين للحج من الدول العربية والأفريقية». وبعد سرد هذه الاتهامات، وجهت «سبق» سهامها سياسياً هذه المرة، وفي ربط غريب عجيب، إذ رجّحت أن تكون الحادثة مرتبطة بما وصفته «الغلّ الإيراني» من نجاحات «المقاومة اليمنية» في معركتها ضد «الحوثيين أذناب إيران».

جريدة «سبق» السعودية تحدثت عن «حملات ترويج للثورة الإسلامية بين الحجاج»!

وبعد فتح السعودية وأبواقها الحرب الإعلامية على إيران، واستغلالها لهذه الحادثة للتشفي السياسي، كانت تساؤلات عدة تطرح نفسها حول هذه المجزرة، وبخاصة مع رفض السعودية لأي جهة إجراء تحقيق ميداني قضائي في ما حدث، وحصره فقط بالسلطات السعودية المختصة، وعرقلة وصول البعثة الإيرانية الى أراضي المملكة. الأسئلة اختصرتها قناة «الميادين» يوم السبت الماضي. فقد أوردت على موقعها تعقيباً على فاجعة «منى» سلسلة أسئلة من ضمنها موضوع «المفقودين» وكيف يستحيل استخدام هذا المصطلح في منطقة محددة جغرافياً وزمنياً. التقرير أضاء أيضاً على عدد من الدبلوماسيين والمسؤولين الإيرانيين الموجودين في تلك البقعة وعلى غيرهم من المدنيين الذين لم تعرف بعد أماكن وجودهم وإلى أي مستشفيات نقلوا.
هذه الأسئلة وسواها كانت حاضرة أيضاً على المنابر الإعلامية الإيرانية التي كررت الشكوك نفسها، وفتحت بدورها باباً للمساءلة وللاتهام بـ»اللامبالاة وغياب الإدارة الرشيدة» للسعودية. تقرير بعنوان «ما يضمره آل سعود لضيوف الرحمن» عرضه الموقع الإلكتروني لقناة «العالم»، وذكّر بالحوادث السابقة في مواسم الحج. وخلص الى ضرورة توسيع دفة تنظيم الحج لتشمل «رعاية إسلامية» بعد «عجز» المملكة عن القيام بواجباتها. واللافت هنا أنّ هذا التقرير كتبه الباحث السعودي حسن العمري. الأمر نفسه قام به الإعلام السعودي لكن بجهة معاكسة، إذ استعان برأي إيراني عبر الاتكاء على رأي رئيس مكتب هاشم رفسنجاني محمد هاشمي للدفاع عن السعودية وضرورة التروي قبل إطلاق الحكم عليها في حديثه مع موقع «العربية» يوم السبت الماضي.