سناء الخوريقد تقع في أحد ألبومات العائلة القديمة على صورتك عارياً. قد تجد أيضاً صورةً لأختك وهي تلتهم البوظة، ولسانها يتدلّى خارج فمها. تغفر لنفسك ولأختك تلك الوضعية «غير اللائقة اجتماعياً». «كم كنّا صغاراً!»، تقول. لكن تخيّل أنكما تتصوران بالوضعيّة نفسها الآن، بعد هذه الشيبة! في كتابه «بُعد آخر» Another Resolution الصادر أخيراً بطبعته الثانية عن Mind the Gap، خاض أكرم زعتري التجربة. صوّر مجموعة من أصدقائه الفنانين في وضعيّات طفوليّة، مستوحياً كليشيهات قديمة، أو صوراً حقيقيّة لموديلاته، تعود إلى زمن الطفولة البعيدة. اثنتا عشرة صورة لنساء ورجال يقلّدون وضعيّات الأطفال... يقبلون المخاطرة في الظهور مضحكين.
مراقبة دقيقة لتحوّلات الفرد من خلال تطوّر وظيفة الصورة
كتاب المصوّر الفوتوغرافي وفنان الفيديو والمؤرشف اللبناني هو استعادة لإحدى تجاربه الأولى. كان ذلك عام 1998، حين أصدر «بُعد آخر» بالأبيض والأسود، وعرضه كتجهيز في «مهرجان أيلول» آنذاك، مع فيديو يظهر مراحل التصوير. العمل الأدائي خلاصة أوّل مشاريع زعتري التوثيقية مع «المؤسسة العربيّة للصورة» التي شارك في تأسيسها. في رحلاته بين مصر، ولبنان، والأردن، وسوريا، كان يقع دوماً على صور لأطفال عراة، وأخرى تظهر العضو الذكري لصبيان لم يبلغوا عامهم الأوّل بعد. جمع تلك الصور العائدة للخمسينيات والستينيات، واختار منها سبعة بنى عليها مشروعه. إلى جانب صور الراشدين، نجد تعليقات هؤلاء على التجربة، والمشاعر المتضاربة التي خلفتها في نفوسهم.
أكثر من عقد مضى على التجربة، وإذا بكاميرا فيديو رقميّة تحتلّ غلاف الطبعة الثانية والملوّنة من «بُعد آخر». البعد الآخر تفرضه إذاً المتغيرات التكنولوجيّة. يمكن الآن حفظ آلاف الصور، ونشرها على «فايسبوك» بانتظار التعليقات على جمال أبنائنا. أمّا الصور القديمة فكان التقاطها طقساً عائلياً فريداً. البُعد الآخر هو أيضاً تلك المساحة بين الطفولة وعالم الراشدين، بين بداهة الأولى وبدائيتها، وامتثال الثانية للقواعد والأعراف. تأخذنا الطبعة الاستعاديّة من «بُعد آخر» إلى مشروع زعتري التوثيقي الأثير. الصور التي بين يدينا ليست وثائق فكاهيّة بريئة، بل مراقبة دقيقة لتحوّلات الفرد من خلال تطوّر وظيفة الصورة. الكتاب/ التجهيز مساءلة للعمر، وتغير نظرتنا لأجسادنا كلّما أفسدنا النضج...