شخصيات وأحلام معلّقة في الهواء
في «أمي، لبنان، وأنا»، نرى السيّدة الجميلة في اللوحة وقد حملت عبء السنوات الطويلة. في «فلاش باك» تصوّر نقّاش اضطرابات أمّها المزاجيّة الأولى، التي واكبت إرهاصات الحرب الأهليّة. كأنّ الأم ولبنان دخلا دوّامة الجنون معاً. إلى جانب توثيق انطفاءة أمها البطيئة، تجد نقاش بعض الوقت المستقطع لتسجّل ما شهدته في سنوات إقامتها اللبنانيّة من حرب تمّوز، واشتباكات نهر البارد، إلى اغتيال فرانسوا الحاج، وأحداث 7 أيار.تستحضر نقّاش كلّ هذا على شكل انطباعات قد تبدو لنا عشوائيّة لشدّ ما هي شخصيّة وخارجة عن السياق أحياناً. على اشتباكات نهر البارد تعلّق مثلاً: «من أين خرجت هذه الجماعة الآن لتعتدي على جيشنا؟». لكن إذا وضعنا جانباً الرؤية السياسية الساذجة والمشوّشة للراهن، يعبق الشريط بروائح المكان وأسئلة أهله على لسان شخصيات عثرت عليها نقّاش في دفاتر الماضي. صديقتها إلهام، مدرّسة الفلسفة في إحدى المدارس الرسميّة في المتن، عرفناها أمّاً ومدرّسةً شابّة في شريط نقّاش الأوّل «لبنان من رأسه حتّى قدميه» (1994). اليوم، نراها بعد 16 عشر عاماً، يساريّة حانقةً على كلّ التركيبة. صديق آخر من الجنوب، يؤمن بصدقيّة المقاومة، «ويحلف بحياتها، لكنّه تعب»، هذا ما تريدنا المخرجة أن نفكّر فيه معها! رحلة الصديقين تلخّص بنحو ما رحلة نقّاش: «شخصيات معلّقة في الهواء، ومعلّقة الأحلام»، كما تقول. الشريط في كلّ الأحوال تحيّة إلى الأم التي رحلت أثناء المونتاج، ومساءلة لموتها ووحدتها، وتوثيق شخصي لسنوات الكآبة اللبنانيّة الأخيرة.
س. خ.
7:00 مساء 30 آذار (مارس) الحالي بحضور المخرجة