تعالوا نتخيّل الواقع و... نحلم بالعدالةمن معاناة الطوارق إلى كمبوديا، ومن يوميات الحزن العادي في لبنان وفلسطين، إلى الموسيقيين الجدد في طوكيو، يأتي برنامج الدورة السادسة، مرآة راهنة للعالم

سناء الخوري
«ليس الواقع ما أمكننا تصديقه، بل ما كان يجب أن نتخيّله»، يكتب غاستون باشلار. في دورته السادسة، يذهب أسبوع «شاشات الواقع» في بيروت، إلى منطلقات مشابهة لمقاربة الفيلسوف الفرنسي. مهرجان الأفلام الوثائقيّة الذي ينطلق غداً في «متروبوليس/ أمبير/ صوفيل»، كان مخصصاً للأفلام الفرنسيّة عند انطلاقته بمبادرة من «البعثة الثقافيّة الفرنسيّة» عام 2004. لكنّه انفتح على تجارب أوروبيّة ولبنانيّة وعربيّة بعد 2007، حين أصبحت جمعيّة «متروبوليس» شريكاً في التنظيم. مناطق مظلمة في واقعنا المعاصر، ستتوالى على الشاشة حتّى 31 الجاري، في أفلام أوروبية ولبنانية، منها ما يقترحه «مهرجان مارسيليا للأفلام الوثائقيّة» (FID Marseille)، ضيف شرف «شاشات الواقع» للسنة الثانية.
إلى جانب اختيار شريطين لبنانيين للافتتاح هما «1958» لغسّان سلهب و«فيلم الترحيب والوداعات» لكورين شاوي، يمنح المهرجان «كارت بلانش» (27 /3) للسينمائيّة اللبنانيّة إليان الراهب. تحت عنوان «المرأة خلف الكاميرا»، اختارت صاحبة «هيدا لبنان» تعريفنا إلى ثلاث تجارب شابّة في سينما المؤلف العربيّة: «زهرة منسيّة» لرهام عاصي، و«مدينتان وسجن» لسداد كعدان، و«أوكسيجين» لكورين شاوي (راجع المقال إلى يسار الصفحة). كما تحلّ المخرجتان أولغا نقاش (راجع المقال صفحة ١٦) ورين متري ضيفتين على البرنامج من خلال شريطين يوثّقان، كل على طريقته، لبنان بين 2006 و2008. يأتي هذا الحضور «تكريساً لحرصنا على الإضاءة على الأفلام اللبنانيّة»، تقول سارة معالي من «متروبوليس» إلى جانب اختيار «أعمال تذهب بفنّ الوثائقي إلى أبعاد أكثر حميميّة».
الوثائقي سلاحاً ضد هيمنة الأقوى وغياب العدالة
تبلغ هذه الحميميّة أقصاها في شريطين لألان كافالييه «اللقاء» (1996) و«إيرين» (2009 ــــ 28 /3). المخرج الفرنسي الحائز جائزة سيزار عن شريطه «تيريز» (1986)، يروي هنا قصّته مع حبيبته إيرين منذ لقائهما حتّى وفاتها. من جهتها، تتخذ الأعمال التي يقترحها FID Marseille، صبغة أكثر سياسيّة. المخرجة الهولنديّة من أصل إيراني باريسا يوسف دوست، تحكي في «ناهيد = فينوس» (2008 ــــ 24 /3)، قصّة قريبتها التي أمضت سنوات في أحد السجون الإيرانيّة، قبل أن تحلّ ضيفةً دائمة على أحد المصحات في ألمانيا. في الإطار ذاته، اختار «مهرجان مارسيليا» عملاً عن فلسطين بتوقيع فرنسي، إذ يروي تيل روسكنز في «فيديو كارتوغرافيا: عايدة فلسطين» (2009 ــــ 25 /3) حياة أهل مخيّم عايدة (بيت لحم) وصراعهم مع الاحتلال، من خلال رسوم وخرائط خطّوها بأنفسهم.
في البرنامج، أعمال مسيّسة أخرى، تطرح الوثائقي أداةً فنيّة ملتزمة ضدّ هيمنة الأقوى وغياب العدالة. في «اليربوع الأزرق» (29 /3)، يعود جمال وهاب إلى قبائل الطوارق في الجزائر ليوثّق مأساة من شهدوا التجربة النووية الفرنسيّة الأولى عام 1960. من جهتها، تتوقّف الكمبوديّة روشان سايدنتار في «المهم أن نبقى أحياء» (29 /3)، عند تجربتها العائليّة في الفرار من مجازر الخمير الحمر في بلادها. أمّا كلودين بوري وباتريس شانيار فيرصدان في «الواصلون» (24 /3) أحلام المهاجرين المتدفقين إلى «العالم المتحضّر» والتحديات التي يواجهونها.
هناك أيضاً جموح موسيقيين يابانيين في شريط سيدريك دوبير وغاسبار كوينتز «نحن أصلاً لا نهتمّ بالموسيقى» (26 /3)، وتفاصيل الحياة الافتراضيّة، كما يعيشها روّاد موقع Second Life مع شريط «القطّة والمحترم والعبد» لآلان ديلّا نيغرا وكاوري كينوشيتا (27 /3)...
هكذا، يحتضن الموعد البيروتي مجموعة من التجارب الجريئة والصداميّة في رصد الواقع من كل الزوايا الممكنة، فإذا بها تختصر أحياناً الخلل الصارخ الذي يستبدّ بعالمنا المعاصر. أليست هذه ميزة الوثائقي الإبداعي: تنبيهنا إلى «ما كان علينا تخيّله»؟ هذا ما يطمح إليه مهرجان «شاشات الواقع»، منطلقاً من رهانه الأثير على تقديم «رؤيا مغايرة للعالم والآخر».


يوميّاً، 7:00 مساءً و9:00 ليلاً، حتّى 31 الجاري ــــ «متروبوليس ــ أمبير ــ صوفيل» (الأشرفيّة/ بيروت). للاستعلام: 01/204080
www.ccf-liban.org