إيمان الجابركان يا ما كان طفلة اسمها بشرى تعيش في قرية «زور شمر» الواقعة على حافة النسيان. سئلت خلال تصوير «كلام حريم» (كتابة عدنان عودة وإخراج سامر برقاوي): ماذا تريدين أن تصبحي في المستقبل؟ صمتت، واستبدّت الحيرة بملامح وجهها. بدا السؤال كأنه هبط عليها من كوكب آخر: ماذا تريدين؟ ما معنى الإرادة؟ في هذا المكان، كل شيء متشابه. النساء يعشن حياتهن وفقاً لإرادة الرجل، يُختصرن بكلمة «حريم». الرجل يقف أمام الكاميرا ويقول مقتنعاً: «المرأة هنا حياتها زينة... لا ينقصها شيء، تعيش مثل نساء المدن».
سيطر سامر برقاوي على «كلام حريم» عبر المونتاج الذي أعاد تركيب جزيئات الفيلم
المرأة محنيّة الظهر دوماً، تكنس، تجمع الحطب، تغسل وترعى الأغنام. أعمال لا تترك لها متنفّساً كي ترى وجه طفلها المعلّق على ظهرها، بينما يُشرف الرجل على حسن سير عملها. نراه جالساً أمام دلّة القهوة، يفشل في تعداد أسماء أولاده (17)، أو واقفاً قرب الموتوسيكل بكامل أناقته العربية، يضبط هندامه كلما اقتربت الكاميرا منه، أو يتسامر مع مجموعة رجال عن سن الزوج المناسبة للفتاة، (إذا وصلت المرأة إلى الخامسة والعشرين ولم تتزوج، انتهى أمرها) ويؤكد حقه في الزواج ثانيةً وثالثةً ورابعة وربما خامسة!
الرجل يحكي في ضوء النهار عن حقوقه، والمرأة تحكي في العتمة عن يومياتها، لكنّها تبدو متواطئة مع الرجل، من خلال استسلامها لموروث اجتماعي يقود حياتها.
اعتمد المخرج على المونتاج للسيطرة على خط سير الفيلم وإعادة تركيب جزيئاته (الأفكار، المعاني، الأحاسيس، الحركة، ضبط توقيت بداية اللقطات ونهايتها). بالتالي، حقّق وحدةً فنية، منحت الشريط نوعاً من الرشاقة في التنقّل بين مشاهده وأحكمت إيقاعه. هكذا، كان المونتاج المتوازي للقطات قريبة وثابتة في بداية الفيلم، حلاً لإظهار التوافق والتطابق بين كلام الرجال، وخلق لحظات كوميدية خففت من قسوة الواقع. فيما جاءت لقطات «الفوتومونتاج» لنساء يقمن بأعمالهن كي تصور الواقع على حقيقته. في نهاية الفيلم، ترك المخرج للكاميرا حرية ملاحقة وجوه النساء المتوارية في العتمة، وهن يتحدثن بلقطات غير مستقرة، مستخدماً كمية ضئيلة من الضوء لينسجم مع طبيعة الحوارات الدائرة بينهن. هكذا، بدت الكاميرا كأنها مخبّأة في مكان ما وتسترق السمع والنظر إليهن. «كلام حريم» الذي أثار الجدل في «مهرجان Dox Box» لم يتورط في السياسة والدين والجنس، لكنه لامس ما هو أعمق بكثير.