محمد شعيرغيَّب الموت مساء أول من أمس المفكر المصري الدكتور فؤاد زكريا (1927) بعد صراع طويل مع المرض. خاض الراحل العديد من المعارك الفكرية دفاعاً عن العقل العربي، حتى إن البعض عدّه العدو الأول للتيارات الدينية المتزمتة. لكنّه كان يرى نفسه عدواً لكثير من الجماعات والتيارات السياسية الموجودة على الساحة، الإسلاميون أولاً وبعدهم الناصريون وكذلك كثير من اليساريين والشيوعيين. لهذا السبب لم يجد على الأرجح أي جهة تدافع عنه أو تعمل على نشر أفكاره، وخصوصاً أنّه رفع دائماً شعار «العلمانية هي الحل» مقابل شعار التيارات الدينية «الإسلام هو الحل».
عمل زكريا أستاذاً رئيساً لقسم الفلسفة في «جامعة عين شمس» حتى عام 1974، ثمّ ترأس قسم الفلسفة في «جامعة الكويت» (1974ـــ1991). رأس تحرير مجلتي «الفكر المعاصر» و«تراث الإنسانية» في مصر، وعمل مستشاراً لشؤون الثقافة والعلوم الإنسانية في اللجنة الوطنية لـ«الأونيسكو» في القاهرة. تولّى منصب مستشار تحرير سلسلة «عالم المعرفة» الكويتية، وقدّم للمكتبة العربية العديد من الأعمال الفلسفية والفكرية المؤلفة والمترجمة. في المقالات والدراسات التي نشرها، اتسمت كتابته بالتطرّق إلى مشاكل فكرية واجتماعية، إضافةً إلى نقد السائد في الفكر العربي والواقع المصري. وأظهر زكريا رؤية فلسفية رصينة وقدرةً فذّة على التحليل والنقد، وفهماً دقيقاً للمصطلح الفلسفي.
خاض الراحل العديد من المعارك الفكرية، كانت أبرزها عقب نشره مقالته الشهيرة «معركتنا... والتفكير اللاعقلي» في تشرين الأول (أكتوبر) عام 1973. كتب: «إنّه من الظلم البيّن أن ننسب الانتصار العسكري الوحيد الذي أحرزناه في العصر الحديث على الأعداء إلى الملائكة، وننكر الجهد الشاق الذي بذلته القوّات المسلحة في التدريب والإعداد والاستعداد الشاق». تلى هذا الكلام هجوم شديد عليه في معظم وسائل الإعلام المصرية حينها، تلتها منابر المساجد. خاض زكريا معركة أخرى مع محمد حسنين هيكل بعد كتاب الأخير «خريف الغضب»، فأصدر كتاباً حمل عنوان «كم عمر الغضب»، يقوّم فيه الفترة الناصرية.