علي السقايبحث حسين سلامة في «مباني إنتاج الآخر في العقل الإسرائيلي» (دار المعارف الحكمية)، في الإطار التاريخي الحضاري والأيديولوجي الذي انبثق منه ما يسمى «العقل اليهودي». يقرّ المؤلّف بصعوبة اعتبار عمله بحثاً علمياً ناجزاً، ويقترح في المقابل تقديم تحليل سوسيولوجي مفصّل للبناء الاجتماعي الذي اكتنف قيام «العقل اليهودي» ومن ثمّ «الهوية اليهودية». يرى المؤلف، الذي ينزلق أحياناً من «الإسرائيلي» إلى «اليهودي»، أنّ السمة الرئيسية لهذه الذات هي رفض وجود الآخر، أو القبول به شرط ثبات صورته الأقل شأناً. وتتجلّى دونيّة الآخر بحسب سلامة في الاصطفاء الديني ومرجعه التوراة، الذي منح اليهود صفة «شعب الله المختار». أسس هذا الاستئثار بالله حالة من الكراهية تمثّلت في شعور بالاغتراب الداخلي. دفع هذا الشعور يهود العالم إلى «العيش في غيتوات مغلقة ثقافياً ودينياً واجتماعياً». ويلفت الكاتب إلى أنّ رجال الدين اليهود عملوا تاريخياً على إذكاء هذا الشعور عبر إصرارهم على «اعتماد مصطلح (الشتات) لتسمية الأماكن التي استوطنوا فيها، وذلك للدلالة على التمسك بالعودة إلى (الوطن)». لاحقاً، شهد الاجتماع اليهودي في أوروبا ما بعد الثورة الفرنسيّة ما عرف بـ«الهسكالاه» أو التنوير اليهودي، فأُدخلت التعديلات على التلمود، وأضحت الحركة الاجتماعية اليهودية أكثر مرونة، ما سمح بدخول اليهود في الحياة الاجتماعية والسياسية، وصولاً إلى قيام الحركة الصهيونية.

يدرس حسين سلامة تجليات العربي في الأدب الإسرائيلي
وكانت صورة العربي في «العقل اليهودي» مزيجاً من وجهة نظر المستشرقين، والقالب النمطي الموجود أصلاً لدى اليهودي عن الآخر أياً كان. تنكشف صورة الآخر العربي واضحة في الأدب العبري. في «صاحب الكلي»، يصف يزهار سميلانسكي بطله العربي عبد الله بقوله: «كان زنجياً أسود البشرة كأبيه، وكانت هذه مأساته. وكانت الناس يهزأون به ويطلقون عليه لقب الشيطان الأسود». أما عاموس عوز فتعبّر رواياته عن «مأزومية الوجود اليهودي في فلسطين وتشكيل الآخر العربي بوصفه كابوساً لا بد من التخلص منه»، يكتب سلامة. ففي روايته «البدو والأفعى»، يأخذ العربي صورة بدوي «تكشف أسنانه عن ابتسامة بلهاء بعضها لامع وبعضها عفن». تتعدى صورة الآخر العربي إلى الشرقي عموماً، ولو كان يهودياً. فإسرائيل دولة اليهود الغربيين بامتياز، حيث يقبع اليهود الشرقييون في غيتوات ثقافية واجتماعية ودينية.