بيار أبي صعب أيّ بلد هذا الذي لم يعد يخرّج إلا خدماً وسماسرة وحرّاساً للمواخير؟ نفكّر أمام إحدى لوحات مازن كرباج ولور غريّب في «غاليري جانين ربيز»، بعنوان «بيروت سراب أم حقيقة؟». بيروت «القلب المنزوع»، بتعبير المعمار رهيف فيّاض، لا تلتفت إلى الخلف. أهلها قامروا على ذاكرتهم، باعوا أرواحهم للشيطان مقابل أوهام الازدهار. كانت تنقصنا مهزلة «ستوديو بعلبك» كي نقف وجهاً لوجه مع انحطاطنا. مؤسسة مهتمّة بدعم السينما اللبنانيّة، كانت على علم ـــ منذ أشهر عدّة ـــ بمصير الاستوديو الذي أصدر مصرف لبنان في حقّه حكماً مبرماً. لكنّها لم تستنجد بالرأي العام، لم تضع مؤسسات الدولة أمام مسؤولياتها. بل راحت تفاوض سرّاً على محتويات هذا الصرح العريق. ولمّا فشلت المفاوضات، وتسرّب الخبر، هرع كثيرون لتناهش بقاياه بدلاً من محاولة إنقاذه. جمعيّة رصينة أخرى كانت السبّاقة إلى وضع اليد على الأرشيف بكامله. ثلاثة أيام شهدت عبور محترفي القطع النادرة وهواة الحنين. وزير الثقافة كان آخر من يعلم. كم كان يلزم لإنقاذ «ستوديو بعلبك»، وتحويله إلى متحف ومدرسة سينما ومركز أبحاث وتوثيق؟ ما يوازي ثمن الـ«تريبلكس» الذي بيع على الخريطة، أعلى برج شاهق أراه ينمو، كل صباح، من نافذتي.
وداعاً «ستوديو بعلبك». وقف كلّ منا يأسف ويستنكر ويتّهم ويتباكى ويتفجّع، ثم اعتبر أنّه فعل ما عليه، فعاد من حيث أتى، تاركاً لورشة «إعمار بيروت» أن تتواصل. «لنربح بعض الوقت» فكّر بعضنا، في انتظار أن تلفظنا مدينة الأغنياء ومحدثي النعمة خارج أسوارها. ذلك أن مصيرنا جميعاً في هذه الجمهوريّة العتيدة سيكون، عاجلاً أو آجلاً، مثل مصير «ستوديو بعلبك».