الجزائر ــ سعيد خطيبيصارت عبارة «حريّة التعبير» في الجزائر، صفةً لصيقة بخطابات المؤسسات الحكومية، وشعارات الندوات والملتقيات الرسميّة، مناقضةً الحقيقة الميدانية التي تكشف عن واقع مرّ يتخبّط فيه الصحافيون الذي يجدون أنفسهم مراراً ضحية غياب القوانين التنظيمية التي تحميهم خلال أداء واجبهم المهني.
وفي وقت يظلّ فيه عدد من مواد قانون الإعلام (1990، المعدّل في 1991) مجمّداً، تستمر الحكومات المتعاقبة في رفضها التصديق على تعديلات القانون ذاته وإهمالها مسودات المقترحات المقدمة من أربعة وزراء إعلام سابقين. مع العلم أنّ رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة، لا يتوانى في بعض خطاباته، عن الإشارة إلى أهمية حماية الصحافيين والدفاع عنهم. لكنّه يتجنّب الخوض في ما تشهده الصحافة المكتوبة من ضغوط متواصلة منذ عام 1991.
وبينما تتغنّى السلطات الرسمية بتوسّع هامش حريات التعبير في الجزائر، من خلال الإشارة إلى ارتفاع أعداد المطبوعات الصحافية (من 30 إلى 292) بين عامي 1988 و 2008، فإنها تتستّر على الخلفيات الكامنة وراء توقف إصدار خمس صحف خلال السنوات الخمس الماضية. وتبقى قضية توقيف إصدار يومية «لوماتان» (2004)، الناطقة باللغة الفرنسية، من أشهر القضايا التي أسالت كثيراً من الحبر داخل الجزائر وخارجها، وخصوصاً بعد إدانة مديرها السابق محمد بن شيكو، بسنتين سجناً (2004ـــــ 2006). ثم فُرضت الرقابة، عام 2008، على كتابه الموسوم «يوميات رجل حر» (بعد فرض الرقابة على كتابه الأول «بوتفليقة، بهتان جزائري» ـــــ 1999) حيث يحكي يومياته في سجن الحراش في الجزائر العاصمة.
تبقى مسائل الملاحقات القضائية وضغوط الهيئات الرسمية وضبابية القوانين التنظيمية (على اعتبار أنّ الصحافي الجزائري يخضع لقانون العقوبات) شبحاً يتربّص بالعاملين في مجال الصحافة المكتوبة. ومن المفارقات التي شهدتها الجزائر خلال الأشهر الستّة الأخيرة أنّ والي ولاية ورڤلة (جنوب البلاد) وحده قدّم ما لا يقل عن ثلاثين دعوى قضائية في حق مراسلين، من مختلف الصحف اليومية. مع العلم أن مراسلي الصحف يتعرّضون غالباً لممارسات تعسفية أكثر من تلك التي يتعرّض لها الصحافيون.
والملاحظ أن السلطات الرسميّة تواصل الضغط على الصحافة المكتوبة بغية تحويل اهتمامات الرأي العام عن القضايا الأهم، وخصوصاً في ما يتعلق بتواصل احتكارها قطاع السمعي البصري، ورفضها منح تراخيص للفضائيات الخاصة. وتبقى الجزائر، من بين الدول العربية القليلة، التي تحتكر فيها الدولة سوق الإعلام التلفزيوني، إضافةً إلى احتكارها سوق الإعلان في الصحف اليومية. ما يمنحها سلطة على توجهات بعض المطبوعات وقناعاتها، وعلى تسييرها بما يتوافق مع آرائها.