رغم الجهد الذي بذلته الجامعة لإنجاح مؤتمرها الأوّل بشأن الإعلام، عجز أغلب الحاضرين عن الاقتراب من المشاكل الحقيقية التي تهدّد الإعلام المكتوب في لبنان
ليال حداد
الصحافة اللبنانية ليست بخير. هل تريد التأكد من ذلك؟ ما عليك سوى الذهاب إلى كليات الإعلام في لبنان. هذا ما يمكن استنتاجه أيضاً من «المؤتمر العلمي الأول حول الصحافة التقليدية والإعلام الإلكتروني: تنافس أم تكامل؟» الذي نظّمه أمس قسم الإعلام في جامعة AUST، برعاية وزير الأشغال العامة والنقل غازي العريضي.
في تجربتها الأولى مع المؤتمرات الإعلامية، حاولت الجامعة تقديم صورة مشرقة عن الإعلام اللبناني لطلابها وتعريفهم بأصول العمل الصحافي والتحديات التي تفرضها وسائل الاتصال الحديثة. ارتكزت المحاضرات على شهادات إعلاميين وأكاديميين كان يُفترض أن يتحدّثوا عن خبرتهم في المجال. لكن لولا مداخلة رئيس تحرير جريدة «الأنوار» اللبنانية رفيق خوري، والناشط في مجال حقوق الإنسان وائل خير، لكان المؤتمر أشبه بمحاضرة أكاديمية.
تحدّث خوري عن أهمية الإعلام المكتوب، مدافعاً عن الصحافة في وجه الإعلام المرئي والمسموع والإلكتروني. لكن كلام خوري، لم يعجب الأستاذ المحاضر في AUST كامل وزنة الذي تحدّث عن أهمية الإنترنت وتفوّقه على الإعلام المكتوب، داعياً إلى تكامل بين المكتوب والإلكتروني «لأن الجريدة لم تعد تكفي العالم».
انتقاد لوسائل الإعلام التي رفضت «مسوّدة إعلان المبادئ»
مع انتهاء الجلسة الأولى، توقّع الجميع أن تكون الجلسة الثانية («الإنترنت والتحولات السياسية، الاجتماعية والاقتصادية وتأثيرها على الصحافة اللبنانية») أكثر حيويةً. لكن ذلك لم يحصل. وقد أصرّ عريف الجلسة وليد فخر الدين، على التصويب أكثر من مرة على صحيفة «الأخبار» وقناة «الجديد» من دون أن يسميهما. إذ انتقد موقف بعض وسائل الإعلام التي رفضت «مسوّدة إعلان المبادئ» ـــــ ما يشبه ميثاق شرف إعلامياً ـــــ الذي حاول وزير الإعلام طارق متري فرضه نهاية عام 2008 (راجع «الأخبار عدد ٢٢ كانون الأول/ ديسمبر ٢٠٠٨). وجاء غضب مراسلة موقع «سي أن أن» العربيّ، بارعة الأحمر، على الإعلام اللبناني، ليدعم موقف فخر الدين، «يجب إقرار ميثاق شرف بين الإعلاميين» قالت. واسترسلت الأحمر في عرض اقتراحاتها للتوصّل إلى إعلام لبناني «أفضل»، فقالت «ممنوع إثارة النعرات الطائفية، وممنوع تهديد السلم الأهلي في الإعلام». طبعاً صفّق البعض للمراسلة من دون التوقّف ولو قليلاً عند هذه الدعوة غير المباشرة إلى فرض رقابة على الإعلام تحت مسمّيات «السلم الأهلي». إشكالية السلم الأهلي وحرية الإعلام، بدت أكثر وضوحاً مع وائل خير، «عندما نحجب معلومة بحجة الحفاظ على السلم الأهلي، فإننّا سندخل في منزلق لن نخرج منه. ستزيد الرقابة شيئاً فشيئاً». وانتقد دعوات نقيب المحررين المتكررة إلى الرقابة الذاتية، «يمكن مقارنة الرقابة بالاغتصاب والرقابة الذاتية بالدعارة ... إنهما يؤديان إلى النتيجة نفسها».
ثمّ جاءت كلمة المطران بشارة الراعي، لتنقل المؤتمر إلى ضفة أخرى أقرب إلى الموعظة الكنسية. لم يتمكّن الراعي من الاقتراب من واقع الإعلام اللبناني، بل اكتفى بتصنيفه في خانتَي الخير والشرّ. ليعلن في النهاية أنّ «التقنيات الإعلامية الحديثة والمتطورة بكل أنواعها هي عطايا من الله»!
غير أن الخطر الحقيقي يكمن في عدم تفاعل الطلاب الحاضرين، مع كلّ ما يجري. لم يرفّ لهم جفن مع دعوة بارعة الأحمر إلى فرض الرقابة. بل جلسوا في مقعد المتلقّي مع غياب لأيّ هامش نقدي في تلقّف المداخلات. وهو ما يفتح الباب أمام نقاش من نوع آخر: ماذا تعلّم كليات الإعلام طلابها؟ لعلّنا هنا نفتح باباً أوسع عن مشكلة التعليم في لبنان... والحديث يطول.