دخلت القناة السعودية عامها الثامن في ظلّ تراجع حلمها القديم بمنافسة «الجزيرة». هكذا، حوّلت اهتمامها إلى الرياضة والاقتصاد والمنوّعات، واستعدّت لإطلاق سلسلة برامج، وركّزت على شكل الشاشة، وتقنية الصورة
محمد خير
تأسست «العربية» لمنافسة «الجزيرة». لكن الحياة ليست بهذه السهولة، ومن مفاجآتها: «بي بي سي»! في الاحتفال السنوي السابع لتأسيسها (آذار/ مارس 2003)، لم تسعد قناة «العربية» كثيراً بالاطلاع على الدراسة التي سبقت الاحتفال بأسبوع واحد. الدراسة التي أجرتها «الأمانة العامة لاتحاد الإذاعة والتلفزيون المصري»، اختارت عيّنتها من الجمهور المصري، بما أنّه يمثل السوق الأوسع عربياً. ورغم أن الدراسة رسمية بكل ما تحمله كلمة رسمية من دلالات في العالم العربي، فإنّ حلول القناة الإخبارية المصرية الرسمية «النيل للأخبار» في ذيل قائمة القنوات التي يشاهدها المصريون، أكّد ابتعاد الترتيب عن التحيّز المعتاد.
لكن المفاجأة كانت أنّ «الجزيرة» وجدت أخيراً مَن ينافسها على المرتبة الأولى، ويقتسم معها قمة هرم المتابعة الجماهيرية. والمنافس لم يكن «العربية» بل «بي بي سي العربية». أمّا القناة السعودية، فقد حلّت في المركز الثالث. وهي نقطة أخرى تصب في مصلحة صدقية الاستطلاع. لو قدّر لـ«التلفزيون الرسمي المصري» أن يختار، لوضع في القمة «العربية»، حليفته وصديقته التي لم تستضف يوماً معارِضاً للحكومة المصرية، ولم تسمع عن إضرابات أو احتجاجات في الشارع المصري، على عكس القنوات الأخرى التي «تكره مصر».
لكن من قال إن «العربية» لا تزال تسعى إلى الطموح القديم نفسه، أي منافسة «الجزيرة»؟ ربما كان من الإنصاف أن نقرّ بأن ذلك الهدف لم يعد هوسها، ولم تعد العبارات الرتيبة عن «الاعتدال» و«الحكمة» على طريقة الصحف الحكومية تحتل شاشة «العربية» ودعايتها. لقد خفتت تلك الدعاية التي لم تأتِ بالأثر المطلوب. بل عمدت «العربية» إلى ممارسات عكسية (بعض الشيء) على الشاشة، وعكسية (جداً) على موقعها الإلكتروني. ممارسات حققت ما كانت تتّهم به منافسيها أو... منافستها الوحيدة. إذ إنّ التحريض والاستفزاز والتضخيم والإثارة كانت عناوين «العربية» شاشةً وموقعاً على أكثر من صعيد: سياسياً (من الانتخابات النيابية في لبنان إلى الحرب في صعدة)، رياضياً (واقعة أم درمان بين المنتخبين الجزائري والمصري)، فنياً (الجنس في السينما المصرية بعدما ملّ الجمهور مشاحنات الفنانين المصريين والسوريين). لقد تركت «العربية» نفسها، لما رأت فيه تجاوباً مع «متطلبات الجمهور» الذي لا يفضّل «الاعتدال»، فكيف بالأحرى الاعتدال المزيّف.
أدركت القناة السعودية صعوبة استقطاب جمهور الأخبار من «الجزيرة»
لكن الفضائية السعودية، إذ تحاول إفلات عنان الاشتباك السياسي، تجد نفسها مقيّدة أكثر من منافستها القطرية. ذلك أن الوجود السعودي الضخم في المنطقة، يكبّل إعلامه الرسمي وشبه الرسمي بكل تبعات ذلك الوجود وواجباته وحساسياته وتحالفاته، على عكس الجار الأصغر المتحرر بخفة الوزن وحداثة السياسة. من هنا، أدرك القائمون على «العربية» أن التنافس (في المطلق) ليس في مصلحة القناة، ما انعكس على أدائها في السنتين الأخيرتين تنوّعاً كبيراً وتركيزاً على ما يمكنها التفوّق فيه، أي المنوعات والترفيه والاقتصاد. أما الدور السياسي، فانصبّ حصراً على الخدمة المباشرة للصراعات الإقليمية للمملكة، من الصراع اللبناني إلى اليمني مروراً بأزمة الانتخابات الإيرانية.
من هنا، لم تعد «العربية» معنيّة بالتنافس في ما ميّز «الجزيرة»، ولم تعد تطمح إلى أن تكون «عالمية» كمنافستها القطرية. توقّف الطموح بأن تتنافس والمحطات الدولية في أحداث العالم الكبرى. وباستثناء الخبطة الصحافية التي حققتها في الحوار مع باراك أوباما في بداية توليه منصبه، تركّزت تغطياتها على أحداث المنطقة حصراً، من إيران إلى السودان مروراً بالقاهرة ودبي.
أدركت «العربية» أنه يصعب اقتناص جمهور الأخبار من «الجزيرة»، فقررت اقتناص أكبر قدر من جمهور المنوعات، مستعينةً بنقاط قوتها المتمثلة في المجموعة الإعلامية التي تنتمي إليها. هكذا، يصعب التفريق أحياناً بين شاشتي العربية و«أم بي سي»، وخصوصاً في التقارير الرياضية، وتلك الفنية المخصصة للبرامج التي تنتجها مجموعة الإبراهيم. كما أن التعاون بين القناتين من جهة، وموقع «العربية» من جهة أخرى، ودمج كل ذلك بتقنية الهواتف الخلوية الحديثة، أتاح لـ«العربية» وشقيقاتها مجالاً حيوياً عجزت «الجزيرة» عن اختراقه بجدية حتى الآن. ليس غريباً إذاً أن تتركز كلمات مسؤولي «العربية» في عيدها السابع على مستوى «شكل» الشاشة، وتقنية الصورة. وليست مفاجأة أن يدعو المدير العام للقناة عبد الرحمن الراشد مشاهديه إلى توقع «نفضة رياضية» على شاشة المحطة في عامها الثامن. وإذا عُرف السبب، بطل العجب، فقد قنعت «العربية» بالتفوق في التقارير الرياضية إلى أن فاجأتها «الجزيرة» باحتكار البطولات الرياضية الكبرى، من خلال شراء حقوقها من «راديو وتلفزيون العرب». لقد طلبت «العربية» جمهور المنوعات ابتعاداً عن المنافسة الإخبارية، فطاردتها المنافسة الإخبارية إلى المنوعات!


برامج جديدة

أعلن المدير العام لـ«العربية» عبد الرحمن الراشد، أن المحطة تنوي إجراء تغييراتها تدريجاً. وكانت القناة قد بدأت برنامجاً أسبوعياً خبرياً جديداً باسم «استوديو بيروت» مع جيزيل خوري (الصورة). وأعلن بيان صادر عن المحطة لمناسبة عيدها السابع، أن هذا البرنامج «سيكون بمثابة سلسلة لبرامج مماثلة، إذ ينطلق قريباً برنامج «استوديو القاهرة»، وسيقدمه الإعلامي المعروف حافظ الميرازي، الذي انضم إلى «العربية» حديثاً». هذا إضافةً إلى برنامج «واجه الصحافة»، الذي يقدمه الإعلامي داود الشريان. كما أطلقت المحطة مجموعة أخرى من البرامج الثقافية والرياضية بينها «عالم الكتب».