ما هي دلالات مشاركة رجال دين شيعة في ندوة «السلفية...»؟ وماذا عن الاحتفاء بكاتبات خليجيات؟ محاولة لرصد التغيّرات التي تشهدها المملكة

الرياض ــ علاء اليوسفي
فيما جلس أحد المحاضرين إلى المنصة يحاكم السلفية في عقر دارها في الرياض، كان طفل يرتدي زياً سعودياً قد أحكم أهله العقال على رأسه يقف شاخصاً إلى ثلة من الرجال بهيئة فلاحين، يضربون الأرض بمجارفهم مردّدين أهزوجة شعبية اعتاد الفلاحون السعوديون في ما مضى تردادها خلال الحراثة. لا يعلم الطفل بعد معنى السلفية ولا موضوع الندوة التي دُعي إليها زوّار من خارج السعودية ومن مذاهب إسلامية متنوعة. كل ما في الأمر أن حماسة الفلاحين استرعت انتباهه، فوقف يسأل والده عما يؤدونه قبل أن يتوجه إلى ناعورة مياه تشدّها ناقة.
مسافة 30 كيلومتراً تقريباً تفصل بين «مهرجان الجنادرية للتراث والثقافة» حيث وقف الطفل وكان آلاف الزوار يؤمّون المكان يومياً حتى اختتام المهرجان منذ أيام، ومدينة الرياض حيث عقدت الندوات المصاحبة للمهرجان، ولم يحضرها إلّا عدد متواضع من المهتمين. وبين مشهد الزحام على أرض المهرجان حيث شهية السعوديين مفتوحة على نشاطات ترفيهية، والمكان المقفل على بعض النخب والمفكرين الذين جلسوا يحاكمون السلفية على خلفية نقدية، برزت تساؤلات كثيرة حاولت فهم التحولات الداخلية في المملكة... إلامَ يشير وجود ندوة «السلفية.. المفاهيم والتحولات» بمشاركة رجال دين شيعة (شارك من لبنان هاني فحص ومحمد حسن الأمين)؟ وماذا عن مشاركة الأصوات النسائية في الأوبريت الذي افتتح المهرجان والاحتفاء بكاتبات خليجيات للمرة الأولى ممثَّلات بليلى العثمان (الصورة)؟ ندوة أخرى لفتت الصحافيين السعوديين بمضمونها «الإعلام السياسي في العالم العربي بين الحرية والمسؤولية» (شارك فيها مارسيل غانم).
اجتهادات متعددة انعكست في أجوبة أصحابها. بعضهم رأى أن الأمر لا يعدو كونه أكثر من إكسسوار، خصوصاً مع وجود توازنات لا يمكن أن تتجاوز الواقع الاجتماعي الديني في المملكة وطغيان السلفية فيها. بينما عزاه بعضهم الآخر إلى حملة علاقات عامة لإظهار المملكة في الخارج بأنها دولة اعتدال... وقد ربطها آخرون بمسيرة بدأها الملك عبد الله بدعم الانفتاح ومحاولة إرساء قواعد لعبة مع الجماعات الدينية المتشددة. وبين هذا وذاك، يشير أحدهم إلى الشاعر والإصلاحي علي الدميني الذي ما زال ممنوعاً من السفر خارج البلاد، وإلى الخطوط الحمر التي ما زالت على احمرارها، وإلى إحراق نادي الجوف الأدبي الشهر الماضي بسبب دعوة الشاعرة حلمية مظفر إليه... وغيرها من الإشارات غير الكافية ـــــ في رأي المخالفين لهذا الرأي ـــــ لتبديد موجة الانفتاح التي تظهر

تكريم نساء كاتبات لأوّل مرة مع ليلى العثمان
معالمها في أكثر من مكان، ومنها معرض الكتاب الذي سحب البساط من تحت المتشددين وأرسى قاعدة الاختلاط بين زواره نساءً ورجال.
هذه المفارقات الغريبة لا يبدو أن زوار الجنادرية يعبأون بها. فوق هذه المساحة المترامية وسط الصحراء على مقربة من مزرعة الملك، يقام أضخم المهرجانات السعودية شعبية وأكثرها تنوعاً. أحيط مكان المهرجان بسور ضخم مكسوّ بالطين يمكن الولوج إليه عبر بوابات ضخمة. وفي الداخل، احتلّت المكان فرق شعبية راقصة وطبول ومعروضات وأزياء تمثل التراث الخاص بكل منطقة في المملكة. وحضرت الثقافة السعودية بكل تجلياتها من عادات وتقاليد وصور تمثل الحياة الاجتماعية المتنوعة، إضافة إلى الشعر النبطي بترانيمه، هناك الفولكلور الشعبي وإبداعات العاملين في المهن اليدوية التي امتهنها الأجداد. ويستمتع الزوار بتلك العروض التي تعيد إليهم الموروث الشعبي في عصر الأجداد، وما زال حاضراً في بعض المناطق.
الدورته الـ25 من المهرجان انطلقت كالعادة مع الأوبريت الذي لحّنه هذا العام ماجد المهندس وناصر الصالح، وأدّاه محمد عبده وعبد المجيد عبدالله وراشد الماجد وعباس إبراهيم وماجد المهندس... كذلك شاركت صوتاً الفنانتان فدوى المالكي ويارا... وتخللته في الرياض عروض مسرحية ومعارض تشكيلية، وندوات ومحاضرات...