«أبيض شفّاف» (دار مجاز) هو عنوان الديوان الـ 13 للشاعر المصري سمير درويش. خمسون قصيدة في فضاء واحد وموضوع واحد بتجليات عدّة. ورغم أن درويش وضع عنواناً لكل من قصائده، فهو لم يثبتها في فهرس لتأكيد على تلاحمها، وعلى أن العناوين ليست سوى محطات لبدايات ونهايات الكتابة. منحى يميّز تجربة درويش منذ ديوانه الأول «قطوفها وسيوفي» الصادر في بداية التسعينيات.
محور «أبيض شفاف» هو تيمة الوحدة أو غربة الذات، حيث الشاعر وحيد ومكتئب رغم الناس المحيطين به. وتزداد وحدته كلما كثر المحيطون به، لينكفئ أخيراً على ذاته يفتش فيها نابشاً أحاسيس وصوراً وهواجس بصدق يقارب حدّ الفضح. ومنه نعثر على معنى العنوان: أبيض شفاف المقترب من ذات الشاعر الواضحة والجلية والشفافة.
مثل تجارب درويش السابقة، يعتمد الشاعر في جديده على المقاطع الصغيرة «الفلاشات». يضع كل اربعة في قصيدة واحدة بحيث يضيء بعضها بعضاً، مع ترك جسد النصّ خالياً من الزوائد، إذ نلحظ تخففّاً من النعوت والبلاغات القديمة التي لا تخدم المعنى.
قدّم درويش في مجموعته هذه شعراً صافياً يستقي جمالياته من صدق المشهد الذي ينقله من دون محسنّات. كما ينحو في بعض القصائد الى السرد مقترباً من القصة القصيرة ومستفيداً من جمالياتها. تيمة الوحدة سبق أن شكلّت ملمحاً مهماً في شعره منذ البدايات، خصوصاً في «يوميات قائد أوركسترا»، فضلاً عن ديوانين كتبهما في غربته خارج مصر في التسعينيات هما «الزجاج» و«النوارس والكهرباء والدم».

يعتبر أنّ الفايسبوك أسهم
في تطور قصيدة النثر
ما الجديد على مستوى المضمون وجماليات الشعر في ديوانك «أبيض شفاف»؟ يجيب: «أعتبر أن قصائد ديواني هذا، خطوة مهمة في تجربتي الشعرية. حاولت فيه التعبير عن حقيقة ذاتي كما أراها بالضبط بلغة بسيطة يمكن للقارئ العادي التواصل معها. أعتقد أنه إضافة ما لقصيدة النثر العربية. كشف الذات وتعريتها هي الرسالة الحقيقية للأدب. منذ ديواني الرابع «النوارس والكهرباء والدم» أحاول اكتشاف جماليات قصيدة النثر، مع الاحتفاظ بالسمات الرئيسية التي ميّزت تجربتي وجعلتها مختلفة عن غيرها وغير متشابهة حتى مع تجاربي التي سبقتها. التحدي الكبير الذي واجهني حين كتبت النصوص الأولى في «أبيض شفاف» أن الحيّز المكاني والزماني الذي تدور فيه بالغ الضيق ما يجعل الأجواء متشابهة، كذلك المشاهد، لكنني نجحت في تجنّب التكرار بعدم الإقدام على الكتابة إن لم أجد جديداً أقوله». كيف ترى الى المشهد الشعري الآن؟ كيف تُقيّمه؟ «لا شك في أن تعدّد أنماط الكتابة الشعرية يُغني المشهد ويمنحه قوة وزخماً، لكن الحداثة كما كان يقول الشاعر الراحل حلمي سالم هي التجاوز، وأنا أختلف معه في هذا، فالحداثة هي تجاوز شرط أن اقبل المختلفين ولا أنفيهم، واترك الحكم النهائي للتاريخ وليس للنقّاد للأسف». هل من خصومة بينك وبين النقد؟ يجيب: «الى درجة ما، نعم. من تجربتي وملاحظاتي طوال ربع قرن شاركت فيه في المشهد الشعري، وصلت الى قناعة مفادها أنّ الأشياء عندنا ليست حقيقية، فالنقد ليس مبدعاً، بل هناك استسهال وتبرير وشرح سطحي من دون مساءلة للأعمال أو تنميطها واستبطان مضامينها ومنطلقاتها الجمالية، والناشر ليس سوى مطبعجي بطبيعة الحال وفي معظم الحالات». نسأله أخيراً عن رأيه بشعراء الفايسبوك، فيقول بأنّ «وسائل التواصل، وتحديداً الفايسبوك، أسهمت في تطور قصيدة النثر وأنا هنا لا اتحدّث عن الخواطر والكتابات الرديئة، بل تلك الناضجة التي يكتبها شعراء موهوبون. الفايسبوك علمنا كتابة الشعر المتخلص من الزوائد والمحسنات والنعوت والاستعراض اللغوي، مع الاحتفاظ ببناء جسد متماسك للقصيدة، ورسالة صافية وسريعة ومباشرة».