حسين بن حمزةمن حسنات رواية «صابون» (دار الساقي) أنها شديدة الراهنية والمعاصرة. إنّها سمة واضحة وملموسة في باكورة رشا الأطرش الفائزة بجائزة محترف «كيف تكتب رواية» الذي أدارته الروائية نجوى بركات ضمن احتفالية «بيروت عاصمة عالمية للكتاب». لكن من أين تأتي المعاصرة؟ الجواب ببساطة أن الرواية تحدث في الحياة التي نعيشها. وقائعها تجري في الأماكن التي نرتادها. أبطالها هم أشخاص يمكننا أن نكون مثلهم أو نعرفهم على الأقل. البطلة غادة تعمل في محلّ لمستحضرات التجميل. تسكن شقة صغيرة ومستأجرة في بيروت، وتطلّ في العطل ونهايات الأسبوع على أهلها في القرية. تعيش علاقة مع سامر المتزوج الذي يحبها لكنّه غير قادر على هدم زواجه المتوّج بابنة صغيرة. صديقتها ندى ترتّب سهرة تجمعهما مع مالك وجاد وآخرين. يتقرّب مالك منها في السهرة، لكنها تعقد آمالاً على جاد الذي يعمل مخرجاً في محطة تلفزيونية. في اليوم التالي، يكون سامر عندها حين تتلقى اتصالاً من جاد يخبرها فيه أن تمرّ على مكتبه غداً بعد انتهاء عملها. ارتباكها يفضحها فتضطر إلى إخبار سامر الذي يضغط عليها لتصارحه. تثور في وجهه وتذكّره بأنها «الثانية» في علاقة ليس لها مستقبل. تخبره بأن العلاقة تتعبها وتؤلمها. لا شيء بينها وبين جاد، لكنّ العيش في عتمة علاقتهما تنهكها وتدفعها إلى البحث عن بقعة ضوء. يغضب

فازت «صابون» بجائزة محترف الرواية مع نجوى بركات

سامر ويُوجّه إليها كلاماً قاسياً ومهيناً. «بكرهك»، تصرخ به وهو يصفق باب شقتها وراءه. يأخذها جاد إلى كوخ سيحتضن الكليب الجديد الذي يعمل عليه. يمارسان الجنس هناك. بعدها تتطور الرواية دراماتيكياً. تكتشف أن جاد يلهو بها، وأن صديقتها ندى تعيش علاقة مع مالك. تلتقي سامر صدفة. تَعِده ـــــ على مضض ـــــ بلقاءٍ قريب. تعود إلى القرية لحضور عرس أختها الأصغر. تنتظر ـــــ بلا جدوى ـــــ رؤية رقم جاد على هاتفها الجوّال.
هذه هي الخطوط الأساسية لحكاية غادة. حسناً، كم هو عدد «الغادوات» الخائبات اللواتي عرفهنّ القارئ أو سمع عنهن؟ جزءٌ من جاذبية رواية «صابون» يعود إلى كونها تؤرّخ لحظةً مجتمعية تزخر بهذا النوع من العلاقات العاطفية والجنسية غير المكتملة، حيث الخيارات المتاحة متضاربة مع الطموحات العادية. كأن الرواية تحتفي بخيبة شريحة شبابية كاملة في مدينة صاخبة تتسع لكل شيء. ننتبه إلى براعة المؤلفة في إدارة دفة روايتها الخفيفة مثل خفة وقائعها. الخفة تحقّق تدفق الأحداث بسلاسة. اللغة جذابة وغير مدّعية. في المقابل، علينا ألا ننسى أن للخفة سيئاتها أيضاً. ربما هي مقبولة في رواية أولى، لكنها لا تتمتع بصلاحية دائمة. لعلّ رشا الأطرش نفسها تدرك أن روايتها المقبلة ستكون في مكانٍ آخر.