بعيداً عن صرامة القوالب الشرقية التقليدية، يقدّم التريو الفلسطيني الشاب باكورته «بدون رقص». الإخوة الثلاثة شرقيّون وكلاسيكيّون ومعاصرون، يمتدّ مقام النهاوند جسراً بين أسطوانتهم والأذن الغربيّة
بشير صفير
عازف العود إيليا خوري، وهو من أسرة فلسطينية تقيم في الأردن، أطلق تجربته الفنيّة عام 2002، مع تأسيس فرقة «نوازن». في 2003، أصدر ألبوم «تعليقات على موروثٍ شرقيّ» (2003) الذي حوى ستّ مقطوعات من التراث المصري والعراقي والتركي. كانت الفرقة تضم آنذاك شقيقَيْ إيليا، باسيل (كمان) وأسامة (قانون) وفادي إلياس (كونترباص) وعلي دبّاغ (إيقاع).
لاحقاً، انفرد الإخوة خوري في تركيبة جديدة، تحت اسم «ثلاثي خوري» وانتقلوا للإقامة في فرنسا. خاض الثلاثي تجربة تأليف شريط موسيقي مرافق لفيلم «مغامرات الأمير أحمد» (1926 / لوتيه راينيغر). وأخيراً، أصدروا أسطوانتهم المشتركة الأولى كـ«تريو»، بعنوان «بدون رقص».



من "بدون رقص"







يمكن القول إنّ الإخوة خوري شرقيّون وكلاسيكيّون ومعاصرون معاً. لا يتقيّدون حرفياً بالقواعد الثابتة على مستوى الأشكال الموسيقية المعروفة وتركيبة الفرقة. تجدهم متحرّرين إلى حدّ ما من صرامة قواعد الموسيقى الشرقية التقليدية، لكنّهم لا يطرحون مشروع تطوير جذري في الموسيقى العربية. نلمس ذلك في إعداد المقطوعات في الأسطوانة القديمة، ومحاولات التأليف الخاصة التي تمثّل الجزء الأكبر من ألبومهم الجديد كثلاثي.
هناك من يرى أنّ بعض أعمالهم تجد جذورها في الجاز والموسيقى الكلاسيكية والمعاصرة. هذا ممكن، لكن لا نقع على توظيف ظاهر لهذه الجذور في «بدون رقص». يمكن الحديث عن تطعيم مقطوعات بجمل موسيقيّة عابرة تذكّر بالفلامنكو كنمط غربي داخل الجو الشرقي (بالمعنى الواسع للكلمة، أي الشرق أوسطيّ، والمصريّ، والتركيّ...).
في ألبوم «بدون رقص»، يستعيد الثلاثي من الموروث الشرقي «سماعي عجم» لإبراهيم أفندي، إضافةً إلى أداء آلاتي لأغنية «يا مسافر وحدك» (محمد عبد الوهاب). أما المقطوعات الباقية، فهي من تأليف الفرقة. أبرز ما يلفت في العمل عدم وجود أيّ آلة إيقاعية، ما يجعل الفرقة عبارة عن تخت شرقي معدّل (مختزَل). ليس في الأمر عيب، إذ إنّ أنماطاً موسيقية كثيرة (كالكلاسيكية مثلاً) لا تُستخدَم فيها آلة لضبط الإيقاع. التناغم التام بين الإخوة الثلاثة، ومهاراتهم التقنية العالية، يعفيانهم من ذلك. في «بدون رقص» نقع على مساحات غير موقّعة وأخرى مرتجلة على شكل تقاسيم مرسَلة. لذا لم يمثّل غياب الإيقاع مشكلة إلا في أمكنة قليلة. المشكلة تكمن في افتقار الصوت العام إلى النبرة القرعيّة التي تزيّن بها الآلة الإيقاعية التخت الشرقي.



من "ستّي"







وإذا كان لا بدّ من نقد، فهو أن «ثلاثي خوري» سقط في فخ اللون الواحد لناحية النغمة، وهو أمرٌ محصور بالوصلات (في الموسيقى الشرقية) والمتتاليات (في الموسيقى الغربية). هكذا أتى العمل كله في مقام النهاوند، باستثناء «ستّي» و«سماعي عجم»، وبعض التغييرات المقامية. مع غياب ربع الصوت، يندرج «سماعي عجم» في الطابع النهاوندي للأسطوانة، لتبقى «سِتّي» الاستثناء الوحيد (مع بعض التلميحات هنا وهناك). هذه فعلاً نقطة سلبية لأنها تلغي تبدّل الأحاسيس بين مقطوعة وأخرى. قد يكون هذا الطابع مقصوداً لتأمين انتشار الألبوم في الغرب الذي يفهم النهاوند (المستخدَم هنا على درجات مختلفة) كمرادف للـ«مينور» والعجم (هنا على درجة الـ«دو») كمرادف للـ«ماجور». لكنّنا في كلّ الأحوال أمام فرقة في أوّل الطريق، ولا بدّ من انتظار الخطوات المقبلة التي ستصقل هذه التجربة.

www.triokhoury.com


«مغامرات الأمير أحمد»

جذب فيلم التحريك الصامت «مغامرات الأمير أحمد» (إخراج لوتيه راينيغر) بفضل موضوعه المستوحى من سحر الشرق، فرقتين عربيتين هذه السنة. كانت النتيجة رؤيتين موسيقيتين مختلفتين جذرياً. هكذا أنجزت فرقة XEFM اللبنانية شريطاً صوتياً للفيلم الألماني، يندرج في إطار موسيقى الروك الحديث والموسيقى الإلكترونية. من جهة أخرى، أوحت المشاهد ذاتها لـ«ثلاثي خوري» شريطاً شرقياً مناسباً للصورة والقصة، فتخطى محاولة XEFM. تجدر الإشارة إلى أن الفرقة الفلسطينية كتبت الشريط عام 2008 وقدّمته في فرنسا أولاً، ثمّ شاركت فيه خلال الدورة الأخيرة من «مهرجان أبو ظبي».