حسين بن حمزةفي مجموعتها الثالثة «مثل شفرة سكين» (دار النهضة)، لا تزال نجاة علي تفضّل السرد مادةً أساسية وجوهرية في صناعة القصيدة. لقد فعلت الشاعرة المصرية ذلك في مجموعتيها السابقتين: «كائن خرافي غايته الثرثرة» (2002) و«حائط مشقوق» (2005)، إذ بات في استطاعة القارئ أن يتلقّى نبرتها كسردية شعرية، تستثمر طاقات النثر العادي المتوافر في الكلام المتداول لا في بلاغة اللغة وجزالتها. استعمال الكلام صار ممارسة شعرية شائعة لدى أصوات وتجارب شابة كثيرة، وخصوصاً في مصر، التي شهدت ازدهاراً لهذا الأسلوب في العقدين الأخيرين. القصد أن نجاة علي تتقاسم العوالم والمناخات ذاتها مع شعراء آخرين يجدون في السرد فضاءً شعرياً مغرياً وغير قابل للاستنفاد بعد.
تحتوي المجموعة على 14 قصيدة تتصف بكونها قصيرة إلى حدّ ما، إضافةً إلى نص مكتوب على سطورٍ كاملة. الضربة الشعرية موزّعة على سطور القصائد كلّها تقريباً، وليست مؤجلة كالعادة إلى الخاتمة. المفارقات المستخرجة من نثريات الحياة العادية متوافرة طبعاً. لكنّ القصائد مدينة للاسترسال القصصي والحكائي، أكثر مما هي مدينة للعب على المفاجآت المتحصّلة من الصور والاستعارات. هكذا، ينبغي لنا أن نقرأ القصيدة كلها كي تصلنا الفكرة الشعرية المستهدفة فيها. هناك مذاق قصصي حقيقي في هذه الكتابة. لنقرأ قصيدة بعنوان «القصّاب»: «لم أغضب من أجلها/ أبداً/ على العكس/ كنت أتشفى فيها/ حين أراها تتعذب/ أبتسم لبقع الدم/ التي تبصقها بجواري/ كعلامة على نهاية المشهد/ الذي تؤديه كل مرّة/ أمام المرآة/ بسنتمنتالية مزعجة/ كان عليها أن تشكره/ لا أن تلعنه هكذا/ أظنّه لم يكن يقصد/ أن يصنع لها عاهةً/ حين كان يدرّبها/ على الغرام/ مهنتُهُ القديمة/ فقط/ هي التي غلبتهُ/ وجعلت يديه كشفرة سكين/ حين كان يضمها إلى صدره/ بشوقٍ حقيقي/ لكنها ـــــ البائسة ـــــ / هل كان يمكنها حقاً/ أن ترى العالم جيداً/ دون عاهةٍ/ تنير لها الطريق؟».
النفوذ القوي للسياق القصصي يمنعنا من اجتزاء صورة مفردة أو مشهد مكتفٍ بذاته. قد ننجح أحياناً في الاهتداء إلى صورٍ ومشاهد كهذه، لكنها تظل محكومة بسياقها العام: «أظنّك جئت من القرن السادس عشر/ وإلّا لماذا أسرفتَ في النُّبل؟». وأيضاً: «كانت تودُّ لو تكسرها/ نصفين/ حين اصطدمت بها وهي تقبِّله/ نظارته الطبية/ السميكة مثل قلبه/ الذي لا يراها».