باتريك بلان فنّان يعرف أسرار النبات



«الرجل الأخضر» الذي يرسم لوحاته الفنية على جدران الأبنية في كل مكان من العالم، حَضَرَ إلى بيروت ليبدأ بتنفيذ مشروع مقترح من المعمار اللبناني كريم بكداش


جاد نصر الله
لا أحد يعرف أسرار النباتات في العالم أكثر من باتريك بلان (1953)... تلك التي يجوب غابات العالم بحثاً عنها... يبحث عنها أيضاً في الزوايا المنسيّة، حيث تنمو كيفما اتفق في أي مكان ومن دون أن يزرعها أحد. هذا الفنان الفرنسي المولع بالحدائق منذ صغره، يرسم لوحاته النباتية على جدران أبنية أشهر معماريي العالم. رغم تعاونه الوثيق مع المعمار الفرنسي جان نوفل على أكثر من مشروع في أوروبا، يبقى لنباتاته الطفيلية الفضل الأكبر في شهرته. إنّه صاحب فكرة «الجدران النباتية» أو «الجدران الخضراء».
جدرانه تنتشر من باريس إلى بانكوك ونيويورك وطوكيو ومدريد وسان باولو وصولاً إلى لبنان، حيث سينفذ أول حائط أخضر له في المنطقة العربية بارتفاع ثمانية أمتار. الفضل في قدومه إلى لبنان يعود إلى المعمار اللبناني كريم بكداش الذي تعرّفَ إلى أعماله في مطلع التسعينيات حين كان في باريس. بعد عشرين عاماً، أتته الفرصة الملائمة لدعوة بلان إلى لبنان ليعملا معاً على مشروع تصميم داخلي مقترح من بكداش في شارع الجميزة... جدار أخضر سيكون الأول في لبنان.
بدأت مسيرة بلان منذ كان في الخامسة. في صالة الانتظار لدى طبيب العائلة، لفته حوض الأسماك. شُغل يومها بكيفية تنقية المياه من الأوساخ وتكريرها، وبدأ يقوم بالتجارب في منزله، زارعاً النباتات على جدران غرفته. كان جداره ذلك أوّل أعماله، ولا تزال نباتاته حيّة رغم مرور أربعين عاماً على زراعتها. في السابعة عشرة سافر بلان إلى إندونيسيا وماليزيا في رحلة استكشافية لدراسة النباتات والأعشاب التي تنمو في الماء ولا تحتاج إلى التراب عنصراً أساسياً في بقائها... وعلى الماء بنى نظريته. جدرانه الخضراء يمكن أن تحيا بالمياه فقط. الاعتناء بها والحفاظ على جماليتها ورونقها لا يحتاج إلى كثير من الفلسفة. يرفض بلان أن يسمّى منسّق حدائق، فهو جنائني مولع بأنواع الزهور وباستكشاف أجناسها ومحاولة الاستفادة منها قدر المستطاع. لا همَّ له بتصميم الحدائق. «ما أقوم به هو زرع النباتات على المساحات العمودية في الأماكن المدينية». ليس بلان الوحيد الذي يمارس هذه الحرفة اليوم، لكن الأكيد أنه كان أول من بادر إليها، مبدعاً فناً جديداً تبعه إليه كثيرون.
المسألة بسيطة كما يقول، «لم يمضِ على وجودي في لبنان بضع ساعات. وحتى الساعة، رأيت العديد من الحشائش المهملة على الأرصفة، وتلك التي تنبت على حوائط الدعم. يمكن الاستفادة منها في لوحات خضراء رائعة». جميع زبائنه لهم ملء الثقة به، يدلّونه على المساحات العمودية التي يريدون ملأها، يأخذ القياسات ويذهب إلى عزلته. يرسم المخططات الأولى، وهي عبارة عن دوائر متراصة صغيرة كُتِبَ على كل واحدة منها نوع النبتة. هكذا، من دون ألوان أو رسوم ثلاثية الأبعاد، يحدِّد بلان ماذا يريد، وليس على الزبون إلّا الانتظار حتى تنبت الجذور، فيحصل على جداره الأخضر.
طموح بلان ليس تحطيم أبعاد قياسية لارتفاع جدرانه. عمله لا يقاس بأبعاده الهندسية، إذ يمكن في بعض المشاريع التي لا يتعدى فيها طول الجدار ثلاثة أمتار، أن يجمع أكثر من 350 صنفاً مختلفاً من النباتات والأزهار. حتى الآن، أنجز بلان جدران خضراء لأبنية مختلفة في وظائفها، منها التجاري ومنها السكني، وحتى في موقف للسيارات! فضل هذا البستاني المهووس بالخضرة أنّه نزع تلك المخلوقات الحيّة الطفيليّة من بين شقوق الصخور وفيء الأشجار ليعرضها على واجهة العالم.