حسين بن حمزةفي كتابها «مسافر في ثياب النعاس» (دار الجديد)، وهو الخامس لها، تدعونا هيا طارق زيادة إلى «وليمة تساؤلات حول الوجود والعبور والغياب»، بحسب ما جاء في تقديمها للكتاب، الذي يحوي نصوصاً ومقاطع قصيرة تستثمر تقنيات الشعر ومناخاته.
الكثافة اللغوية مطلوبة هنا كي تترك أثراً سريعاً ومضموناً في ذهن القارئ. معظم المقاطع قائمة على منطق التأمّل والحكمة. كأنّ هدف الكتابة يتلخَّص في تقاسم تجربة العيش والوجود مع الآخرين. كيف؟ من خلال إعادة طرح الأسئلة البديهية التي ينساها البشر تحت ضغط الواقع الذي يعيشون فيه، حيث يتكشَّف سؤال مثل: «نمشي كمن يمشي/ إلى أين نحن ذاهبون؟»، أو «من قال إنّ الموت هو النهاية؟» عن معانٍ ومقاصد واضحة ومكرورة، ولكن الكاتبة تحاول إعادتها إلى الواجهة. هناك نيّة لتحويل تساؤلاتٍ مثل هذه إلى أمثالٍ أو أقوالٍ مأثورة.
ما نقرأه أشبه بخلاصات فلسفية. الروح التأملية طاغية هنا، لكن النيّة وحدها غير كافية لصياغة نصوصٍ متماسكة وذكية وقادرة على إدهاش القارئ. ثمة مقاطع مشغولة بطريقة أفضل من سواها كما هي الحال في مقطع بعنوان «سفر»: «المسافر على دروب الفجر/ تعبث به الدروب/ فيمضي/ إلى غير غايته»، وأيضاً في مقطع بعنوان «الطريق»: «هناك مسافرٌ دائم/ يشقُّ طريقه/ ليصل/ حين/ يغدو/ تراباً».
روح التأمّل طاغية على «مسافر في ثياب النعاس»
الواقع أن الصياغة الجيدة هنا لا تخفي البساطة البادية في المعاني. البساطة ليست صفة سلبية دوماً، لكنها في مقاطع أخرى في الكتاب تتخلَّى عن غلالة التورية الشفّافة التي تحجب خطابيّتها، وتتحول إلى مواعظ وإنشائيات مباشرة ومكشوفة. نقرأ مقاطع مثل: «المعقول/ واللامعقول/ وجهان لعملة واحدة»، أو «الولادة والموت/ ليسا سوى اسمين/ للخط الجامع بين البشر»، فنحسّ أننا نقرأ شيئاً بات خلفنا ولا يخاطب ذكاء المتلقي وحساسيته.
في المقابل، هناك مقاطع أخرى ذات معانٍ مفتوحة أكثر، أي إنها لا تستعجل التحول إلى حكمة أو خلاصة للعيش. هكذا، نجد أنّ اللغة مسترخية في مقطع يقول: «في محطات السفر/ نحثُّ الخطى للوصول/ إلى حيث/ لا ينتظرنا أحد»، بينما لا يُفاجئنا المعنى بأي دهشة في مقطع آخر: «تتراكم الحيوات/ تتجمد الأوقات/ في كل زمان/ لتعيد تكرارها/ في أشكالٍ متعددة/ في زمانٍ آخر». الخلاصة أن الكتاب يوقع القارئ في حَيْرتين، حيرة تجنيس ما يقرأه، وحيرة استقبال «العادية» التي تتنزَّه في معظم المقاطع.