strong>«أسهيل» في مواجهة «نايل سات» و«عرب سات»تنافس الفضائيات العربية عكَسَ دوماً صراع المعسكرات السياسية، وصارت مفاهيم مثل «الاعتدال»، و«الممانعة» خطاباً أساسياً في قاموسها. واليوم، اكتملت حرب الفضاء بين الدول العربية مع إعلان قطر إطلاق قمرها الصناعي بحلول عام 2012

محمد خير
ربما كانت السماء العربية هي ساحة صراع الفضائيات العربية. لكن يبدو أنّ الحسم لن يأتي إلا عبر سماء باريس. قبل أسابيع من إطلاق القمر الصناعي المصري الثالث «نايل سات 201» الذي صنعته شركة «تاليس» الفرنسية، وستطلقه شركة «أريان» الفرنسية أيضاً، ها هي قطر توقِّع عقد قمرها الصناعي الخاص «أسهيل» مع الفرنسيين كذلك. شركة «يوتل سات» الفرنسية للاتصالات هي التي وقّعت العقد مع «المجلس الأعلى للاتصالات وتكنولوجيا المعلومات» الممثّل للدولة القطرية، بكلفة تتجاوز 300 مليون دولار، أي ضعف كلفة القمر المصري (140 مليون دولار) الذي احتفل بانتهاء تصنيعه قبل سبعة أشهر في مدينة كان... الفرنسية أيضاً!
ها هي التوقعات تتحوّل إلى حقيقة إذاً لتثبت الرغبة القطرية ـــــ البديهية ـــــ في امتلاك حريّة البث، بعدما عكس تنافس الميديا الفضائية في العالم العربي حدة صراع المعسكرات والتحالفات السياسية، وانتقلت مفاهيم ومسمّيات «الاعتدال»، و«المقاومة»، و«التبعية» و«الصمود»... لتصبح عناصر أساسية في تحديد سياسات بث البرامج والفضائيات.
وفي وقت أفادت فيه قناة «الجزيرة» من شعبيتها الهائلة للتأثير سياسيّاً في جماهير دول «الاعتدال»، أفادت حكومات تلك الدول من ملكيتها للأقمار الصناعية أو نفوذها في تلك الأقمار، فوضعت الحذف أو التشويش سيفاً مصلتاً على الفضائيات التي تعدّها معاديةً. وإن لم يطل الحذف «الجزيرة» نفسها، إلا أنّه هدد «أصدقاءها» ومنها قنوات «المنار» و«الأقصى» و«العالم»، فضلاً عن قنوات أخرى توقّفت تماماً منها «الساعة» و«الحوار». ويمكن فهم جسامة الأمر، لو عرفنا أنّ شركة «نايل سات» المصرية، الممثلة لإحدى أهم دولتين من دول الاعتدال العربي، تسيطر وحدها على 60 في المئة من سوق الاتصالات في العالم العربي، وذلك من خلال قمريها «نايل سات 1» و«نايل سات 2» اللذين يبثان أكثر من 500 فضائية عربية، وأكثر من مئة إذاعة. كما تؤجر الشركة مساحات في أقمار أخرى. من هنا، فإن امتلاك قطر قمرها الخاص، هو أمر إن كان متوقعاً، فإنه ليس تحصيل حاصلً. إذ سيعالج خللاً سياسياً بالأساس قبل أن يكون فضائياً. بينما تنقسم السياسة العربية الخارجية بين معسكرين، فإن التعبير عن تلك السياسة يسيطر عليه معسكر واحد طالما ظل الثاني من دون امتلاك قمر صناعي. والتأثير ليس سياسياً وإعلامياً فحسب، بل ـــــ كما اتضح من نسبة امتلاك «نايل سات» للسوق العربية ـــــ هو تأثير اقتصادي أيضاً، لن يجذب القنوات الفضائية فحسب، بل ـــــ بالتبعية ـــــ سوف يجذب سوق الدعايات. وقد راقب المشاهد العربي «بروفة» لذلك الصراع خلال مفاوضات التلفزيون المصري مع «الجزيرة الرياضية» لنقل مباريات كأس أفريقيا لكرة القدم. إذ إنّ الخلاف الأساسي في تلك المفاوضات التي باءت في النهاية بالفشل، لم يكن خلافاً على قيمة المبالغ المالية التي طلبتها القناة القطرية مقابل بث المباريات، إذ إنها مبالغ يمكن أن يعوّضها التلفزيون المصري بسهولة من حصيلة الإعلانات، بل كان الخلاف على رغبة التلفزيون المصري في الحفاظ على بث الاستديو التحليلي الخاص به وحصة الإعلانات. وهو ما رفضته «الجزيرة». هكذا راقب وكلاء الإعلانات الصراع، وفي اللحظة الأخيرة اتجهوا جميعاً ـــــ بعد فشل المفاوضات ـــــ إلى القناة القطرية، وهذا هو السبب في أنّ المشاهد العربي كان يرى دعايات مصرية على «الجزيرة الرياضية» طوال فترة بث البطولة، التي شاركت فيها الجزائر وتونس، لكن من دون دعايات.
ولأن القمر القطري لن ينطلق قبل نهاية 2012، إذا لم يقع أي تأجيل إضافي، فإنه ـــــ وفقاً لما جاء في بيان المجلس الأعلى للاتصالات في قطر ـــــ مجهّز بأحدث تقنيات التلفزيون الثلاثي الأبعاد، وتقنيات الإذاعة والإنترنت أيضاً. كما أنّه ـــــ وفق تصريحات مسؤولي المجلس ـــــ يوفّر «المصالح الاستراتيجية لدولة قطر في قطاع الاتصالات». إنّها إذاً نية واضحة لتغيير توازن القوى في سوق القمر الصناعي العربي. غير أن المراقب يجب ألّا ينسى أن النسبة الساحقة من أجهزة الاستقبال في السوق العربية الواسعة، وخاصة في السوق المصرية، غير مجهزة لاستقبال أكثر من قمر صناعي وحيد، هو الـ«نايل سات» دائماً، وهو عنصر سيؤثر إذا ما احتدمت «الخصومة الفضائية» أو قرّرت قطر بث قنواتها على قمرها الخاص فحسب، كما أن نقطة إضافية وأساسية ما زالت غائبة عن الجدل، بينما يفترض أن تكون في قلب الضوء، هي: إلى أيّ حد تستحق الأقمار العربية اسمها وجنسيتها، بينما جميعها مصنوع خارج العالم العربي وبأيد أجنبية؟


فتّش عن السياسة

محمد عبد الرحمنلكن الحكومة المصرية ممثلة بوزارة الإعلام، تحرص دوماً على عدم الربط بين تأمين البث لمئات القنوات العربية والأجنبية على «نايل سات» والمواقف السياسية المصرية، رغم أنّ الجميع يعلم أن النظام المصري قادرٌ على منع بثّ أي محطة من دون الحاجة إلى إعلان أسباب رسمية. علماً بأنّ هناك عدداً كبيراً من الشروط التي تحكم قانون القمر الصناعي المصري، ما يسهّل عملية حظر أي قناة إلى أن تتراجع إدارة المحطة عن بثّ ما يغضب النظام.
وفي وقت نجح فيه «نايل سات» في تخطّي منافسه القمر السعودي «عرب سات»، بات معروفاً أن هناك تفاهماً بين مصر والسعودية على مواجهة أي سياسة إعلامية تَضرّ الدولتَين. لكن يبدو أن المافسة لن تقتصر على هذين القمرين بعد اليوم، بعدما دخلت قطر على خط الأقمار الصناعية. إذ أعلنت أن قمرها «أسهيل» سيبدأ عمله عام 2012.
ولعلّ كلام رئيس الوزراء ووزير خارجية قطر الشيخ حمد بن جاسم آل ثاني (الصورة)، هو الأكثر تعبيراً عن أهمية هذا القمر. إذ قال: «قطر تملك الكثير من المحطات والقنوات الفضائية ونريد كما شاركنا في الأرض أن نشارك في الفضاء في بعض ما يهم سياسة قطر». تفسير هذا الكلام ليس مهمة صعبة. قطر التي تطلق أكثر الفضائيات العربية إثارة للجدل، لن تسمح بأن يكون بث «الجزيرة» في المرحلة المقبلة مرهوناً برضى «نايل سات» وربما «عرب سات». وما قيل عن إمكانات القمر القطري يؤكّد أن هناك خطة محكمة لجعله مفضّلاً لدى الملايين من المشاهدين العرب.
وبعدما كانت القنوات المحظورة تلجأ إلى أقمار مثل «هوت بيرد» غير المنتشرة في المنطقة العربية، ها هو القمر القطري يبدو مستعداً لبث أيّ قناة محظورة عبر «نايل سات» ما دامت تخدم هذه القناة سياسة قطر. إذاً، بدأت حرب الفضاء بين الدول العربية لتتكامل مع حرب الفضائيات التي سبقتها بكل تأكيد حرب السياسات والمصالح المتعارضة.