«مهيار الدمشقي» يواصل حرق الجسور، ويرمي الطفل مع ماء الحمام. هذا الانطباع خرج به كثيرون من لقاء الـ«بريستول» (بيروت) الذي نظّمته «جامعة البلمند»
سناء الخوري
بنيّة طرح أفكار «تثير الجدل»، افتتح أدونيس مداخلته أمام جمعٍ من الباحثين والمثقفين ورجال الدين في بيروت. تحلّق هؤلاء أوّل من أمس حول صاحب «الثابت والمتحوّل» في فندق «بريستول»، بدعوة من «جامعة البلمند». بعد ساعة ونصف من الجدل، أعلن الشاعر أنّ السجال الذي دار بينه وبين الحاضرين دليل على أنّ «الحدّ الأدنى المشترك (بين أفكاره ومساءلاتهم) غير موجود»! بينما ذهب أحد المشاركين حدّ مصارحة أدونيس بأنّ كلامه «خارج التاريخ»! «النزعة القوميّة العربيّة في وحدويتها ودينيتها وعنصريتها، أنهت العروبة الثقافيّة والمجتمع المدني والآخر والآخر الداخلي، وأنهت اللغة العربيّة، وها هي تخوض حروباً ضدّ الثقافات الأخرى السريانيّة والأمازيغيّة والكرديّة». لو رمى أدونيس قنبلةً من هذا النوع في جامعة أميركيّة أو أوروبيّة مثلاً، لحيّاه كثيرون على «جرأته» الفكريّة.
لكنّ «مهيار» لم ينل تصفيق الحاضرين في بيروت. قدّم مطالعةً متشائمة، لمّح فيها إلى ابتعاد المفكرين العرب المعاصرين عن الطروحات الجذريّة وامتثاليتهم للواقع (مستثنياً نفسه ضمناً من هذا الحكم). ثمّ أطلق نبوءته: «المنطقة ذاهبة نحو قرون وسطى أخرى بالمعنى الكنسي البابوي القروسطي». وتابع: «الرقابة ليست مسألة نظام، بل هي عضويّة في صميم البنية» الاجتماعيّة. الإسلام، من جهته، تخلّى عن دوره كـ«ميدان للتأمل في الحضارة، وصار ميداناً للبرقع والحجاب والفتاوى».
الباحث أديب نعيمة وقف يقول للشاعر إنّ كلامه «مجحف بحق الحضارة العربيّة». الأكاديمية زهيدة درويش جبّور سألته عن عثرات «المثقف العربي الحداثوي الذي لم يعرف كيف يبني جسوراً بينه وبين المجتمع الحساس تجاه الروحانيّات». من جهته، لفت عالم الاجتماع التونسي الطاهر لبيب إلى ضرورة العودة إلى «ما وراء

«مهيار» كاره ذاته أم ناقد الظلام العربي؟
الخطاب وما وراء التناص من حركات اجتماعيّة تحتيّة».
نوّع أدونيس على الأفكار التي ميّزت مرحلته الأخيرة، إذ باتت كل إطلالة له مناسبة لإشعال حرائق جديدة، من رجم بيروت في «أشكال ألوان» قبل سنوات، إلى هجاء العرب في كردستان العام الماضي. واستأنف المفكّر والشاعر السوري قراءته الجذريّة لتاريخنا الفكري، إذ أرجع عرقلة تجربة الحريّة العربيّة إلى مسبّقات سياسيّة ودينيّة وفكريّة. وأعلن أن السلطة بالمفهوم العربي مقترنة بالعنف منذ «بيعة السقيفة»، إثر تحويل إسلام الرسالة إلى مجرّد رؤية أيديولوجيّة في خدمة إسلام الخلافة كما قال. وضمن تلك المسبّقات، تندرج «لاذاتيّة الجسد في النصّ الديني الإسلامي»، والنظرة إلى الأنثى كمتاع... هل هذا النقد ما زال معنيّاً بالتقدّم والتغيير في العالم العربي؟ لم يحظ المناقشون بإجابات شافية من أدونيس، كأنّه جاء ليقول كلمته ويمشي. صالة الـ«بريستول» ما زالت ترجّع صوت الشاعر: «ما معنى الذات العربيّة اليوم؟». سؤال سيبقى معلّقاً... في انتظار المناسبة المقبلة ربّما؟


السادسة مساء اليوم، يحيي أدونيس أمسية شعريّة في «جامعة البلمند» (شمال لبنان). للاستعلام: 06/930266