محمد بنيس *كل واحد من المثقفين العرب ينظر اليوم إلى محمد عابد الجابري (1935ــــ2010) بعين الإكبار، ويضيف المغاربة حق العرفان بما كان له من قوة في تغيير الخطاب الثقافي في المغرب وتقاسمه مع العالم العربي، بل نقل بعض من أسئلته ومشاغله إلى آفاق عالمية. هو المفكر الذي جعل الحرية محور كل ما قام به في الدرس الجامعي والتأليف الفكري والعمل الثقافي، بعدما ترك العمل السياسي حتى تبقى الحرية مفتتح حياته ومنتهاها.
من الصعب أن نعثر على مثقف عربي تشبث بالحرية كما تشبث بها محمد عابد الجابري. فالحرية كانت اختياراً لا يقبل التنازل، فكرياً وسلوكياً في آن معاً. ولم يكترث لكل ما كان يحيط به من عوائق أو ما كان يواجهه أو يعترض عليه. دائماً، كان المفكر الذي يضع الحرية عنوان بناء عروبة جديدة، وميثاقاً جديداً بين الحاكم والمحكوم، ولغة مشتركة بين النخبة والمجتمع، ومنهجاً في احترام القيم الإنسانية الكبرى. تلك الحرية هي التي جعلته يفاجئ أقرب الناس إليه، في قدرته على إعادة النظر في مسلّمات كثيراً ما اختنق فيها أيديولوجيون لم يستوعبوا أساس الفكر الذي هو الحرية.
صادقته لسنوات وتعلمت منه، لأنني كنت أرى فيه شعلة الحرية تكبر كلما تقدم به العمر، والوفاء لقيم الحرية كلما ضاقت مساحة الإيمان بالحرية عبر العالم العربي. مفكر للمستقبل، مثلما كان للحاضر. لذلك أقول: مرحباً بك أيها المقيم في حرية علمتنا وستعلم أحفادنا أبجديتها.
* شاعر مغربي