الرباط ـ محمود عبد الغنيعن 75 عاماً، رحل أمس محمد عابد الجابري في منزله في الدار البيضاء، بعد صراع طويل مع مرض الكلى وضغط الدم. وسيوارى جثمانه في ثرى «مقبرة الشهداء» في الدار البيضاء بعد ظهر اليوم.
صاحب «مدخل إلى القرآن» خضع أخيراً لسلسلة عمليات، فقلّ ظهوره وندرت أخباره. طيلة المدة التي شغله فيها المرض، تعثّر صدور مجلته الرائدة «فكر ونقد» التي أسّسها عام 1997، بسبب أزمات مالية متلاحقة، وخصوصاً أنّه كان يموّلها من جيبه الخاص. ولد الجابري في فكيك شرق المغرب عام 1935، ثم غادرها إلى الدار البيضاء، ومنها إلى دمشق لإكمال دراسته في الفلسفة. عاد إلى الرباط لينال دكتوراه في الفلسفة عام 1970 من «كليّة الآداب والعلوم الإنسانيّة» في «جامعة محمد الخامس»، ثمّ درّس فيها مادتي الفلسفة والفكر العربي الإسلامي. المفكّر الذي نشط مطلع الخمسينيات في خلايا العمل الوطني ضد الاستعمار الفرنسي لبلاده، كان قيادياً في «حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية» قبل تفرغه للشؤون الفكريّة.
في الجزء الثالث والأخير من مذكراته الذي صدر مطلع العام الحالي بعنوان «في غمار السياسة: فكراً وممارسة» (الشبكة العربيّة للأبحاث والنشر)، يسرد الراحل أهم الأحداث التي عاصرها. نصوص تعكس مراحل تطوّر العقل العربي منذ الخمسينيات حتّى اليوم. رغم أثره الكبير في الفكر العربي المعاصر، كان الجابري محطّ هجوم الجمعيات الأمازيغيّة في بلاده التي اتهمته بـ«الترويج المبالغ فيه للأيديولوجيا العُروبية...»، علماً بأن الجابري من أصول أمازيغيّة.
رحيل صاحب «في تعريف القرآن» كان مفاجئاً للمثقفين المغاربة. في اتصال مع «الأخبار»، رأى وزير الثقافة بنسالم حميش رحيل الجابري «غياباً لعقل كبير حاول بناء نسق تشريحي للعقل العربي». بينما رأى المفكر كمال عبد اللطيف أنّ صاحب «إشكاليات الفكر العربي المعاصر» هو «علامة أساسية في تأسيس الدرس الفلسفي في الجامعة وفي الثقافة المغربية مع زميله الفيلسوف الراحل محمد عزيز الحبابي». وذكّر عبد اللطيف بتأسيس الجابري لـ«أقلام»، أول مجلة عقلانية تنويرية في المغرب جمعت حولها عدداً مهماً من الفلاسفة المغاربة بينهم عبد السلام بنعبد العالي وسالم يفوت ومحمد سبيلا. أما الشاعر والروائي والرفيق السياسي للجابري، محمد الأشعري، فقال إنّ الجابري سيظلّ في ذاكرة المغرب المعاصر «رمزاً للمثقّف المنخرط في قضايا أمته والمنكبّ على فهم حاضرها من خلال البنى الثقافية العميقة التي أنتجها هذا العقل العربي على مرّ العصور».