أوّل مقهى ثقافي في السعوديّةوسط انكفاء الشباب عن النوادي الأدبيّة الرسميّة، يأتي هذا المقهى الشبابي ليقدّم فضاءً بديلاً، يجمع بين ترفيه وثقافة. تجربة فريدة من نوعها في المملكة التي تعيش فورة واعدة

مكّة ـــ علاء اليوسفي
مبادرة ثقافية جديدة في السعودية عنوانها «مقهى هافانا». في قلب مدينة مكّة، قبلة المسلمين، فتح «هافانا» أبوابه ليكون أوّل فضاء سعودي يقدّم القهوة بنكهات ثقافية. يأتي افتتاح المقهى وسط عجز الأندية الأدبية الرسمية عن استقطاب فئات متنوّعة من الشباب... فالعزوف عن المشاركة في أنشطة الأندية، التي تدعمها وزارة الثقافة والإعلام، بات هاجس الإعلام السعودي المرئي والمكتوب. كأنّ تلك الأندية شاخت، وبات ارتيادها ينحصر ببعض المنتسبين إلى النادي وأصدقائهم. فهل السبب في أنها تقدم ثقافة فوقية ونخبوية بعيدة عن اهتمامات الشباب؟ أم هو قرار وزير الإعلام السابق إياد مدني بتعيين أعضاء مجلس إدارتها العشرة، بعدما كان يجري انتخابهم من الجمعية العامة؟ خطوة أدّت إلى غياب المحاسبة وفقدان الاهتمام الشعبي بالنوادي الأدبيّة.
مهما يكن، فإن «هافانا» يبدو جذاباً لسبب آخر. في السعودية، يصعب أن تعثر على مقهى يجمع مثقفين على نمط المقاهي المنتشرة في العواصم العربية. إذ لا ذاكرة تجمع هؤلاء بزوايا وأمكنة معيّنة مثل مقاهي شارع الحمرا البيروتي، ومقهى الروضة في دمشق... فالصحافيون والكتّاب والأدباء شأنهم شأن سائر السعوديين يتنقّلون بين مقاهٍ مكيّفة تحمل أسماءً إما معولمة وإمّا أجنبية، أمّا «مقهى البلد»، فلا وجود له.
مغامرة طموحة يقف وراءها حامد القرشي
هكذا انطلق «هافانا» من دون أن يقدّم نفسه بديلاً عن الأندية الأدبية، بل كمشروع شبابي بديل من المقاهي التقليدية. هنا يمكنك الانزواء في ركن خاص مع كتاب وفنجان من القهوة. الإضاءة والديكور صُمّما ليساعداك على ذلك، كما يمكنك الاقتراب من مجموعة تتجاذب نقاشاً في ركن آخر، أو الانصراف عنها لمتابعة المونديال. الترفيه موجود أيضاً إلى جانب الثقافة. في الطابق العلوي تبدو المساحة مفتوحة وأكثر رحابةً لاستقبال ندوة أو أمسية. هنا استُضيف القاصّان صلاح القرشي وطاهر الزهراني، بعدما وجّه نادي مكّة الأدبي إليهما الدعوة لإحياء أمسية قصصية منذ بضعة أسابيع، ثم ألغيت بحجة ترحيلها إلى السنة المقبلة.
الدافع الأساس لهذا المشروع كما يقول صاحبه حامد القرشي «سدّ شيء من النقص الذي تعانيه مدينة مكّة في ما يتعلق بأماكن عصرية للترويح عن النفس، تجمع بين الترفيه العادي والمثاقفة». ويأمل القرشي أن يصبح مقهى «هافانا» علامة على الاختيار الصحيح للجمع بين الترفيه والثقافة، بين القهوة والكتاب، وبين التلفزيون والندوة.
ويطمح حامد القرشي إلى إزاحة الجفاء بين الزبون العادي والكتاب، ويقول «نتمنى منه ولا نفرض عليه، أن يجعل أحد أهدافه عند زيارة المقهى أن يكمل قراءة كتاب بدأ قراءته بالأمس، أن يتذوّق طعم الكلمة الأدبية كما يتذوق قهوته». هذا أمر صعب، «لكننا نعوّل على تحول الاهتمام عند الزبون إذا ما وجد الكتاب على مقربة منه، أو رأى من يقرأ إلى جواره». ولتشجيع ذلك يفكر في وضع حسم خاصّ لمن يجد عنده هذا التحوّل الإيجابي، «نفكر في إحداث نشاط للمزج بين الكتاب والترفيه العادي في شكل من أشكال التنافس الثقافي بين الزبائن، كذلك في فتح باب تبادل الكتب بين زوار المكتبة النشطاء».
وعدا عن القراءة يرعى المقهى مجموعات ثقافية، ابتدأها بنادٍ اسمه «كتاتيب» يجتمع أعضاؤه كل شهر، وفي وقت لاحق توسّعت الفكرة لتضم أمسيات أدبية. وفي أنشطته العامّة يعطي الأولوية لمبدعي القصة والرواية والشعر، «ونعطي أهمية للناقد ضيفاً ومتحدثاً عن النقد وشؤونه». أما عن أعضاء المقهى ومجموعاته، فهم روّاد أكثر منهم أعضاء... «لا يوجد أعضاء بصيغة محددة. المقهى يقوم في الأساس على قناعة مشتركة بين مجموعة من المثقفين بأهمية وضع مفهوم المقهى في الإطار المناسب للعمل الثقافي، وللالتقاء الأسبوعي أو الشهري، وتطارح الآراء والأفكار في جوّ من الحميمية والألفة».