القاهرة | قبل أشهر، قال الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في أحد لقاءاته: «يا بخت عبد الناصر بإعلامه». قالها بنبرة المتشوق لهذا العصر، عصر البيان الواحد الذي يكتب في الصحف ويُبثّ في الإذاعة وينقله التلفزيون... الصوت الواحد، صوت النظام.
ومع إقالة حكومة إبراهيم محلب، وتشكيل حكومة جديدة يعلن عنها اليوم الأربعاء، بدأ الحديث بقوة عن عودة وزارة الإعلام بعد إلغائها للمرة الأولى في حكومة أحمد شفيق أثناء الثورة في 2011. لكنها عادت مرة أخرى وألغيت للمرة الثانية في الحكومة الثانية لإبراهيم محلب عام 2014.
رجال النظام الحالي عادوا بقوة هذه الأيام، ليبشروا بعودة الوزارة التي ظهرت للمرة الأولى في عهد جمال عبد الناصر تحت اسم «وزارة الإرشاد القومي»، واصبح اسمها «وزارة الإعلام» في عهد حسني مبارك.
مصطفى بكري، الصحافي والإعلامي المعروف بموالاته للنظام الحالي، قال في أكثر من مداخلة تلفزيونية إنّ رئيس الحكومة المكلف بتشكيل الحكومة الجديدة قد يعيد منصب وزير الدولة للإعلام. من جهته، قال سامي عبد العزيز، عميد كلية الإعلام السابق، إنّ عودة منصب وزير الاعلام، باتت ضرورة ملحة بعد ضياع بوصلة الاعلام خلال السنوات الأربع الماضية. وأكّد أنّ الإعلام يعاني من حالة «ترهل»، مشدداً على ضرورة الاعتراف بالفوضى التي تسيطر على الملف الإعلامي «ويجب أن يكون هناك من يضبط هذا الملف بشكل مباشر».

قال السيسي:
«يا بخت عبد الناصر بإعلامه»


ما سبق يظهر بوضوح أنّ هناك قراراً اتخذ بعودة وزارة الإعلام كي تتحكّم بالوسائل المرئية والمسموعة المملوكة للدولة. وهذا ما يطرح سؤالاً مهماً: لماذا تريد الدولة عودة الوزارة التي أشاد كثيرون بقرار إلغائها أخيراً؟
لا يمكن الإجابة على هذا السؤال من جانب واحد، بل يجب النظر إلى المشهد بشكل عام. الرئيس السيسي يؤمن بنظرية إعلامية مفادها أنّ الصوت الواحد للتواصل مع المتلقي هو الأفضل. وعليه، فالدولة لا تريد أن تترك المجال مفتوحاً أمام وسائل الإعلام. صحيح أنّها لم تمنحها أي حرية في الأصل، لكن بإعادة وزارة الإعلام، فهي تشدّ السياج حول عنق أي وسيلة حكومية، وتسعى إلى توحيد العزف السياسي للنظام. بات واضحاً أنّ الدولة بحاجة لإعلام مركزي يوصل رسائلها السياسية وغير السياسية في الوقت المناسب، وتريد أن يكون لها صوت مسموع كما كان في الماضي.
السؤال الثاني الذي لا يقل أهمية عن الأول هو: هل إلغاء وزارة الإعلام، أدى إلى حرية واستقلالية في إعلام الدولة؟ الحقيقة أنّه لم يحقق شيئاً من هذا. لقد بدا أنّ إلغاء وزارة الإعلام كان شكلياً، إذ ظل التحكم موجوداً، لكن بيد رئيس اتحاد الإذاعة والتلفزيون الذي لعب الدور نفسه.
المفاجأة هنا أنّ الدستور الجديد، لم ينص على إلغاء وزارة الإعلام، رغم أنّ هذه النقطة كانت واحدة من وسائل الدعاية للدستور. فالنص الذي طرح للاستفتاء استحدث مجلساً لإدارة تنظيم وسائل الإعلام، وجاء في نصّ المادة أنّ «المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام هيئة مستقلة تتمتع بالشخصية الاعتبارية والاستقلال الفني والمالي والإداري، وموازنتها مستقلة. ويختص المجلس بتنظيم شؤون الإعلام المسموع والمرئي، وتنظيم الصحافة المطبوعة، والرقمية، وغيرها. ويكون المجلس مسؤولاً عن ضمان وحماية حرية الصحافة والإعلام المقررة في الدستور، والحفاظ على استقلالها وحيادها وتعدديتها وتنوعها، ومنع الممارسات الاحتكارية، ومراقبة سلامة مصادر تمويل المؤسسات الصحافية والإعلامية، ووضع الضوابط والمعايير اللازمة لضمان التزام الصحافة ووسائل الإعلام بأصول المهنة وأخلاقياتها، ومقتضيات الأمن القومي».
ومن المتوقع أن يشكّل البرلمان المقبل هذا المجلس، إلا أنّ الإعلامي والإذاعي محمد موسى يرى أنّ النظام الحالي لا يريد هذا المجلس، بل يفضل الصوت الواحد، ولا يسعى بجدية إلى تطوير المحتوى الإعلامي.