كين لوتش ودوغ ليمان يعودان إلى الحرب القذرة زياد عبد الله
يجد السينمائي الإنكليزي كين لوتش الباب موارباً، فيركله ويدخل جحيم العراق عبر Route Irish (طريق إيرلندية). سيكون مكتوباً على الباب أنّه خاص بالشركات الأمنية في العراق، وتلك الطريق المسمّاة إيرلندية ليست إلا المسمّى الخاص بالقوات البريطانية للطريق التي تصل مطار بغداد بالمنطقة الخضراء، وغالباً ما تقود الجنود إلى موت محتّم.
وفي سياق مجاور، يعود الأميركي دوغ ليمان في Fair Game (لعبة عادلة) إلى أسلحة الدمار الشامل في العراق، ولم تمض أشهر على فيلم بول غرينغراس «المنطقة الخضراء» الذي قارب الموضوع نفسه وإن بطريقة مغايرة. مع ليمان، نحن أمام دراما منسوجة عن هذه القضية على عجل وركاكة، الأمر الذي لن يمنع ممثلاً من وزن شون بن من المشاركة في الشريط، ما دامت أولويته إدانة جديدة لإدارة الرئيس جورج بوش. وهو الأمر الذي يمتد ليطال حيثيات قبول الفيلم في المسابقة الرسمية لـ«مهرجان كان السينمائي» الأخيرفيلم لوتش أضيف قبل يومين من بداية الدورة الـ63 من «كان»، مسبوقاً بترقّب كبير ليس لصاحب «الريح التي تهز الشعير» (سعفة «كان» 2006) إلا أن يخلقه. تتنازع الفيلم مسارات عدة. وقد مثّل ثلثه الأول المعبر الأشد رصانة، إذ يقدم لنا فيرغاس (مارك ووماك) المفجوع بموت صديقه الذي يصل لندن في تابوت لن يكون ملفوفاً بعلم بلاده، لكونه يأتي من باب خلفي، ولن تكون في انتظاره مراسم عسكرية، ولا حديث عن بطولاته وتضحياته. إنه من هؤلاء الذي يعملون مع الشركات الأمنية الذين يعودون متى قتلوا أو انتهى عقدهم.
بول لافيرتي كاتب سيناريو الفيلم وشريك لوتش الأزلي، سيكون مشغولاً تماماً بما يسميه شركات الحرب الخاصة، أو كما يورد في كتيب الفيلم أنّ هناك 164 ألف متعاقد مع الشركات الأمنية الخاصة يعملون في العراق، مؤكداً أنهم قتلوا أعداداً هائلة من المدنيين العراقيين، من دون أن يخضعوا لأي مساءلة. و«الفضل» في ذلك يعود إلى بول بريمر والقانون 17 المتعلق بإبعاد تلك الشركات عن المساءلة، وقد بقي ساري المفعول أكثر من ست سنوات... ولم يبطل العمل به إلا العام الماضي فقط.ما تقدّم سيمثّل خلفيّة«طريق إيرلندية» التي سرعان ما تتضح مع وقوع الفيلم في مطبّ الخطابية المباشرة، والاتكاء على لقطات وثائقية، بعدما كنا نتابع تلك العلاقة الشائكة والجميلة بين فيرغاس وصديقه المقتول فرانكي (جون بيشوب)، وتقاسمهما كل شيء، وقتالهما في العراق وأفغانستان جنباً إلى جنب. صداقة تمتد من أيام الطفولة، وصولاً إلى انتقالهما إلى الشركات الخاصة. فيرغاس مسكون بإيمانه الراسخ بأن صديقه فرانكي أشد حنكة من أن يقتل، وأنّ هناك أيادي خفية تقف خلف مقتله، وخصوصاً بعدما شاهد فرانكي عناصر من هذه الشركات يقتلون عائلةً عراقيةً. بعد ذلك، يمضي الفيلم في مسار بوليسي، بالتوازي مع انقلاب فيرغاس على من كان يعمل معهم. هو الذي يعيش في بيت كبير لا يحوي سوى سرير عسكري وكمبيوتر، وكل ما له علاقة بوسائل الاتصال الحديثة. وفي رحلة بحث فيرغاس عن الحقيقة، ستمضي أيضاً رحلة جلد الذات، واستعادة دناءة ما يقوم به جنود الاحتلال وأفراد الشركات الأمنية، وستتسع شبكة من يلاحقهم فيرغاس من أفراد تلك الشركات. سيذيقهم العذاب على طريقة قوات الحلفاء في العراق وأفغانستان وغوانتنامو. هكذا، ينعطف الفيلم إلى مسار آخر، ويدخل فيرغاس في نفق الانتقام، وهو لن يقول كما قال اريك في شريط لوتش السابق «بحثاً عن اريك» (2009) «المغفرة هي أنبل أنواع الانتقام»، بل سيقتل من كانوا وراء مقتل صديقه.

أتقن لوتش التفاصيل، فيما استعمل ليمان كل اللهجات إلا العراقية
الإتقان لن يفارق لوتش، وخصوصاً في ما يتعلق باللهجة العراقية. في المقابل، سنشاهد في فيلم دوغ ليمان «لعبة عادلة» كل اللهجات العربية إلا العراقية (!) إضافة إلى أخطاء كثيرة لم يعد مقبولاً الوقوع فيها. مثلاً، سترى سيارة تحمل لوحة «ملاكي القاهرة» تسير في بغداد، وتتابع محاولات هرب حمد (خالد النبوي) من بغداد، مع غض النظر عن جبل عمان الذي يقف شامخاً في العاصمة العراقية! علماً بأنّ الممثلة الإسرائيلية ليراز شارهي شاركت في الشريط، ما أدى إلى تعرّض خالد النبوي لحملة شرسة ومساءلة نقابة الممثّلين المصريين (راجع «الأخبار» عدد 16 حزيران/ يونيو 2010).
ننسى ما تقدّم ونمضي مع الدراما السياسية التي يقدمها «لعبة عادلة»، المقتبس عن قصة حقيقية تتناول عميلة الاستخبارات الأميركية فاليري بليم (نعومي واتس)، وهي تتعقّب حقيقة أسلحة الدمار الشامل في العراق قبل غزوه، واستعانتها بزوجها الدبلوماسي السابق جوزف ويلسون (شون بن) الذي يمضي إلى نيجيريا لمعاينة حقيقة ما إذا كان النظام العراقي قد حصل على اليورانيوم من هناك. مع تضافر الأدلة على عدم امتلاك العراق تلك الأسلحة، ستفاجأ فاليري، وطاقم عملها، وزوجها، بالغزو تحت ذريعة ما اكتشفوا زيفه. وبناءً عليه، فإن ويلسون سيكتب مقالاً في «نيويورك تايمز» عن رحلته إلى نيجيريا، الأمر الذي يؤدي إلى تسريح زوجته من الـ«سي آي إيه»، وتعرّضها لحملة تشكيك في وطنيتها. كل ما تقدّم يُظهر أنّ قضية العراق لم تنته فصولاً بعد على الشاشة الكبيرة، وأنّ مساءلة هذا التزوير السياسي ما زالت مستمرّة بعد سبع سنوات على اجتياح بغداد.