بعد المواقف الإيجابية تجاه القضية الفلسطينية، ها هم صنّاع الدراما العرب يشكرون تركيا على طريقتهم: مسلسل «سقوط الخلافة» يعيد الاعتبار للإمبراطورية العثمانية «بعد الظلم التاريخي الذي تعرضت له»!
وسام كنعان
بعيداً عن مطب التمجيد الذي تقع فيه أغلب المسلسلات التاريخية العربية ويجعلها تصمد في وجه الرقابة، فإن الموسم الرمضاني المقبل يحمل إلينا مأزقاً جديداً يجعل هذه الدراما تسير في درب أكثر تعثراً. بدأت القصة مع الكاتب السوري قمر الزمان علوش الذي خرج إلينا في مؤتمر صحافي عقده في دمشق ليعلن أنّه قرر أن ينصف الملكة المصرية كليوبترا التي ظلمها التاريخ. أما الطريق لذلك، فكانت عبر كتابة مسلسل يُصوَّر حالياً، ويحمل توقيع المخرج وائل رمضان.
وفي مواجهة هذا الكلام، رفض عدد من الكتّاب الطريقة التي كتب بها علوش النص، واعتبروا أن الملكة المصرية أُنصفت عبر التاريخ. ورأى هؤلاء أنه لا يحقّ للدراما التلفزيونية تصويب أخطاء التاريخ، ولا أن تتنطح لإنصاف أعلامه. بل إن وظيفة الدراما هي الإضاءة على حيثيات التاريخ من دون التدخل في حقائقه، ومحاولة التلاعب بها. أما الأولوية فيجب أن تبقى إمتاع المشاهد، ثم تمرير المعلومة التي لا بدّ من توثيقها عبر الاستناد إلى أكثر من مرجع تاريخي.
لكن عملية تصحيح التاريخ لم تتوقّف عند علّوش. إذ كتب يسري الجندي مسلسل «سقوط الخلافة» ليتولى إخراجه الأردني محمد عزيزية. وقد أُسند دور السلطان عبد الحميد للنجم السوري عباس النوري، فيما تقف إلى جانبه مجموعة من الممثلين المصريين والسوريين والعراقيين، منهم أسعد فضة، وأحمد راتب، وريم علي، وباسم قهار، وغيرهم...
تكمن مشكلة العمل في تصريحات بعض نجومه الذين يتباهون بمشاركتهم في مسلسل ينصف الأتراك، ويعيد قراءة التاريخ بنظرة مختلفة، ترد الاعتبار إلى تركيا. والسبب أنّ هذه الأخيرة، ممثلةً برئيس وزرائها رجب طيب أردوغان، اتخذت أخيراً مواقف مشرّفة من القضية الفلسطينية، ووصلت إلى الدراما التي أثارت غضب إسرائيل. لذا يرى نجوم «سقوط الخلافة» أنه ينبغي للدراما العربية أن ترد جزءاً من الجميل للأتراك عبر عمل تاريخي يصحّح النظرة السائدة عن الإمبراطورية العثمانية.
هكذا، أبدى النجم المصري أحمد راتب سعادته المطلقة لمشاركته في المسلسل الذي يضيء على حقبة تاريخية هامة من تاريخ المنطقة، ويرد الاعتبار إلى الدولة التركية «بعد الظلم التاريخي الذي تعرضت له». كما طالب راتب بإنجاز مجموعة من هذه الأعمال التي اعتبر أنها تصحح المفاهيم المغلوطة عن الأتراك. ويجسد النجم المصري شخصية إيمانويل، وهو رجل يهودي لعب دوراً كبيراً في تنفيذ المخططات الصهيونية. وتردّد حينها أنه طلب من السلطان عبد الحميد تسليمه فلسطين مقابل تسديد ديونها للسلطنة، لكنّ السلطان رفض ذلك. أما النجم السوري عباس النوري، فرأى أنّ المسلسل يقدم رؤية تاريخية مغايرة، ويكشف عن الوجه الحقيقي للسلطان عبد الحميد الذي يعتبر نموذجاً مشرفاً في الخلافة العثمانية على حد تعبير النوري. في الوقت ذاته، كان مخرج العمل محمد عزيزية قد نفى أن يكون هناك تمويل تركي للعمل، لأنه من إنتاج «شركة إيكو ميديا» المصرية. لكن عزيزية تمنى لو حصل التمويل التركي فعلاً، لتصل ميزانية العمل إلى 300 مليون دولار أميركي تخوله إنجاز المسلسل بظروف باذخة. ورأى أنه من الضروري إعادة قراءة التاريخ من أجل تقديم مسلسل من هذا النوع ليحمل اعتذاراً للشعب التركي، ويساعد تركيا في الوصول إلى أفضل موقع في منطقة الشرق الأوسط، «وخصوصاً أنها قامت بدور كبير لتهدئة المنطقة في الآونة الأخيرة».

لو تناول «سقوط الخلافة» شخصيّة جمال باشا الجزّار، فكيف كان سيقدّمها؟

إذاً، أهل الدراما قرروا قول كلمتهم، وتقديم الاعتذار للأتراك، وربما تلميع تاريخ الإمبراطورية العثمانية! ولا ندري بعد لو أنّ العمل سيمر على شخصية جمال باشا الجزّار، فكيف كان سيقدمها؟ ومن سيتحمل مسؤولية دماء الشهداء التي سالت في ساحات دمشق وبيروت أيام الاحتلال العثماني؟ وهل تغيّر المواقف السياسية الراهنة لتركيا يبرّر مسألة تحريف الأحداث التاريخية وتقديم الشخصيات بصيغة تمجيدية، وبهالة من القداسة كنوع من العرفان بالجميل؟
ثم هل لنا أن نستعد لو تحسنت العلاقات السورية ــــ الفرنسية أكثر لمشاهدة مسلسل يحكي لنا عن الجنرال غورو بطريقة مغايرة تؤكد أنه دخل دمشق حاملاً حمامة بيضاء، وباقة ياسمين وسط زغاريد النساء وتهليلهنّ؟ وهل من الممكن أن تعديلاً في سياسة ألمانيا الحالية على سبيل المثال، سيخوّل صناع الدراما العربية إعادة اجترار التاريخ الألماني لنرى هتلر رسولاً للسلام، ولنتعرف على وجه جديد للنازية؟ ربما سيحمل مستقبل الدراما العربية تدخلاً أكثر خطورة في أحداث التاريخ من الكتّاب، الذين قد يفكرون في الثأر ممن أساؤوا إلى الملوك العرب، فنرى زنوبيا تسوق إمبراطور روما أورليانوس إلى الأسر على عكس ما حصل، وذلك تحيةً من الدراما إلى الملكة السورية؟


على نار هادئة

اعتذر باسل الخطيب (الصورة) عن عدم إخراج «سقوط الخلافة»، فآلت المهمة إلى محمد عزيزية. هذا الأخير صرح أنه انتهى من تصوير حوالى سبعين في المئة من مشاهد العمل في مدينة الإنتاج الإعلامي في مصر. وأضاف أن فريق عمله سينتقل إلى سوريا لتجسيد المعارك التي دارت بين الجيش العثماني والجيوش الأجنبية. ثم سيغادر الفريق إلى اسطنبول لتصوير بعض المشاهد في مكانها الحقيقي وينجز المسلسل على نار هادئة. من جهة أخرى، أكد عزيزية أن هناك قنوات تركية أبدت حماستها لشراء العمل العربي الأول الذي يقدم هذه الصورة عن الأتراك، إضافة إلى مفاوضات تجري مع محطات مصرية وخليجية.