ما رأي الكتّاب في بغداد بانقسام الاتحاد العام في عودتهم إليه؟ لقد استوفوا اثنين من الشروط المفروضة عليهم: إدانة الاحتلال، وإجراء انتخابات ديموقراطيّة. يبقى شرط ثالث: تأييد المقاومة...
بغداد ـــ حسام السراي
د يكون موضوع عودة العراق إلى عضويّة المكتب الدائم لـ«الاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب» من أكثر الملفّات حساسيّة التي واجهت «اتحاد الكتّاب في العراق» خلال السنوات الستّ الماضية. ولعلّ الأزمة التي نشبت بين الاتحادين بدأت مع إعلان المكتب الدائم تعليق عضويّة العراق خلال اجتماعه أواخر عام 2003، ولم تنته مع مشاركة ممثل عن الاتحاد العراقيّ بصفة مراقب في الاجتماع الاعتيادي الذي عُقد مطلع هذا الشهر في القاهرة.
مع الاجتياح الأميركي للعراق، اتخذت العلاقة بين الاتحادين منحىً تصعيديّاً. وخلال اجتماع المكتب الدائم عام 2003 في القاهرة، اتُّخذ القرار بتعليق عضويّة العراق بحجّة أنّ «جميع المنظمات الاجتماعيّة والثقافيّة والقانونيّة خاضعة لسلطة الاحتلال». وقد تكرّس تعليق العضوية خلال مؤتمر المكتب الدائم في 2003، ثم مؤتمر العريش عام 2007 الذي قضى بمواصلة التعليق، حتّى تكرّر الموقف نفسه بعد عام.
منذ إعلان تعليق عضوية العراق، أصدر الاتحاد العراقي بيانات عدة، خفّت حدّة لهجتها مع مجيء محمد سلماوي إلى الأمانة العامة في الاتحاد العربيّ. يومها، في أول رد فعل له، بعث رئيس الاتحاد العراقي فاضل ثامر (يرأس الاتحاد منذ 2004) برسالة إلى رئيس اتحاد سوريا حينها علي عقلة عرسان، تتضمن إدانة ورفضاً للاحتلال، لكنّها لم تثمر تبدلاً في الموقف. ثمّ توالت البيانات، حتّى أصدر اتحاد كتّاب العراق بياناً عام 2007 (بعد مؤتمر العريش ثمّ المنامة)، حوى نقداً لاذعاً لما سمّاه «المواقف المبطنة بتأويلات السياسات الرسميّة والوعي العصابيّ». وأشار إلى «أنّ المؤسّسة الأدبيّة العربيّة بدل أن تقف مع أشقائها الأدباء العراقيين في محنتهم، اتخذت موقفاً غريباً وظالماً وبعيداً عن المهنيّة والموضوعيّة، وقطعت كلّ الأواصر تحت لافتات وعناوين ساذجة تعكس سوء قراءة الحالة العراقيّة الجديدة».
سوريا وفلسطين والأردن وتونس وليبيا تعارض عودة العراق إلى الاتحاد
وفي 2008، مع استمرار تعليق عضوية الاتحاد العراقي، أرسل هذا الأخير بياناً بأنّه «لم يُسمح للاتحاد بالدفاع عن نفسه، أو اعتماد الوثائق التي يقدمها، بينما كان يجري الاعتماد على مرويات مزورة وملفقة يقوم بها بعض المتعصبين ضدّ الثقافة العراقيّة، وكان المكتب الدائم يعتمدها بوصفها معلومات موثقة ودقيقة، ومنها الزعم القائل بأن اتحاد الأدباء في العراق يؤيد الاحتلال وأنّ رئيسه صرّح بأن السفير بول بريمر هو محرّر العراق... وهي أكذوبة مضحكة وملفقة، ولا أساس لها من الصحة».
كرّر الاتحاد العام للأدباء والكتّاب في العراق مراراً موقفه الرافض للاحتلال، وتجلّى ذلك في بياناته المتلاحقة التي جاء فيها أنّ «اتحاد الأدباء كان وما زال معادياً بصراحة ووضوح لوجود الاحتلال الأميركيّ، وللحرب التي أدّت إلى احتلال العراق... لكنّه رفض أن يكون في خنادق الإرهابيّين وقوى العنف والتطرف الطائفيّ، وآثر أن يخوض نضالاً سياسيّاً وثقافيّاً لاستكمال شروط السيادة الوطنيّة، وإنهاء الاحتلال». إلا أنّ ذلك لم يمنع الاتحاد العربيّ من التشكيك بموقف العراق من الاحتلال، وخصوصاً في عهد الأمانة العامة التي ترأسها الأديب علي عقلة عرسان.
ويمكن القول إنّ أهمّ تطورات الاجتماع الأخير للمكتب الدائم، هو حضور ممثل رسميّ عن اتحاد الأدباء في بغداد هو الناقد ياسين النصير، ثمّ قيام الأمانة العامة بطرح مسألة تثبيت عضويّة العراق في المكتب الدائم، من دون أن يعني ذلك استعادة العراق لكامل عضويّته.
لكن العراق بقي خارج الاتحاد العام في النهاية، بسبب تباين وجهات النظر بين المجتمعين. إذ إنّ اتحادات مصر والمغرب والإمارات والسودان وعُمان والكويت ولبنان والجزائر والبحرين، كانت مع عودة العراق إلى الاتحاد العربيّ، عكس اتحادات سوريا وفلسطين والأردن وتونس وليبيا التي هدّدت بالانسحاب من الاتحاد العام إذا عاد العراق إليه. هكذا رفض المكتب الدائم للاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب، خلال اجتماعه في القاهرة أوائل الشهر الماضي، الطلب المقدم من اتحاد الأدباء والكتّاب في العراق بشأن إعادة عضويته إلى الاتحاد العربي، بعدما أُرفق الطلب بالوثائق الداعمة لمشروعية طلبه، ونتائج الانتخابات الأخيرة التي جرت في نيسان الماضي في بغداد.
وقد أشار البيان الأخير لاتحاد كتّاب العراق إلى «حرص العراق على أن يظلّ دائماً جزءاً فاعلاً من الجسد الثقافيّ العربيّ»، وتمنّى «ألا يكون أي اتحاد عربيّ سبباً (..) في قطع صلته الطبيعيّة بالثقافة العربيّة وبالهموم والإشكاليات الثقافيّة والسياسيّة والاجتماعيّة التي نعاني (أي العرب) منها بصورة مشتركة».
ياسين النصير وصف الموقف الأخير الرافض لعودة العراق خلال مؤتمر المكتب الدائم للاتحاد العربي، بأنّه يحمل «توجهاً سياسيّاً مقصوداً». كذلك لفت إلى أنّ التصور الخاطئ الموجود لدى بعضهم عن العراق «يتحمّل مسؤوليته إعلامنا المحليّ، لأن هناك عجزاً عن إيصال حقيقة الأوضاع إلى الخارج الذي يجهلها تماماً». غير أنّه يحدد سبب تأخّر عودة العراق بأنّ «الأديب علي عقلة عرسان لم يكن يسلّم أوراق اتحاد أدباء العراق إلى المكتب الدائم». وتابع قائلاً: «نحن عملياً بوصفنا مثقفين عراقيّين، ضدّ أي احتلال لبلدنا وللبلدان العربيّة الأخرى، ضدّ الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين والجولان، وضدّ الاحتلال الأميركيّ للعراق، وضدّ الاحتلال الإيراني لبعض مناطق الحدود العراقيّة والجزر الإماراتيّة».
ويتساءل الشاعر أحمد عبد الحسين: «هل احتلال العراق جعل الأدب العراقي غير عربيّ مثلاً؟ وهل إصرار الأدباء العرب على محاصرة الثقافة العراقيّة، يسهم في دحر الاحتلال؟». رئيس «بيت الشعر» العراقيّ «لا يعتب على اتحادات مسيّسة، أغلبها لا يستطيع أن يقول كلمة في وجه السلطة في بلدانها، لكنّي أعتب على اتحادنا المنتخب في أجواء ديموقراطيّة، أن يتوسّل الرضى، فيما هو في الغنى عن ذلك». وأضاف قائلاً: «أليس من المضحك أن اتحاد أدباء فلسطين المحتلة يرفض عودة اتحاد أدباء العراق المحتل؟!».
القاصّ عبد الأمير المجر ذكر أنّ «الوقوف ضدّ عودة العراق إلى الاتحاد العربيّ يمثل خطأً استراتيجياً في سياسة اتحاد الكتّاب العرب». ولمّح إلى أنّ «الحجّة التي يوردها الاتحاد هي امتناع الاتحاد العراقي عن إدانة الاحتلال. لكنّ ما جرى لبّى جزءاً من رغبة الكتّاب العراقيين في تغيير نظام صدام، لكنّه لا يعني تأييداً للاحتلال».
أما فاضل ثامر، رئيس اتحاد الأدباء والكتّاب في العراق، فيشير إلى تحسن العلاقة مع الاتحاد العربيّ بعد مجيء محمد سلماوي: «قال لي محمد سلماوي لا نريد أن نظلمكم كما ظُلم اتحاد كتاب مصر بعد زيارة السادات لإسرائيل». ونفى ثامر ما قيل عن لسانه بشأن بول بريمر، مشيراً إلى «أنّ مطالب اتحاد الكتّاب العرب من اتحادنا تنحصر في ثلاثة مسائل: إدانة الاحتلال، ودعم المقاومة وإجراء انتخابات جديدة». ويوضح: «أصدرنا بيانات عدة تدين الاحتلال. وأجرينا انتخابات ديموقراطية أخيراً. أما موضوع المقاومة، فقلنا إنّ الموضوع إشكاليّ، لأن هذه الكلمة اقترنت غالباً بأعمال إرهابيّة تمارسها «القاعدة» في العراق، فكلّ تأييد لما يسمى «المقاومة» هو تأييد لسفك مزيد من الدماء على أيدي الإرهابيّين الذين يفجرون أجساد الأبرياء بالسيارات المفخّخة».


تأسّس «الاتحاد العام للأدباء والكتّاب في العراق» عام 1959، على يد الشاعر الكبير محمد مهدي الجواهري (الصورة) (أصبح أوّل رئيس له)، وعاونته نخبة من الأدباء، منهم مهدي المخزومي، وعلي جواد الطاهر، وعبد الملك نوري، وعبد الوهاب البياتي... وبعد تولي «حزب البعث» للسلطة في العراق، ظلّ الاتحاد خاضعاً للإرادة السياسيّة، ولم يكن يتاح للأديب المستقل أن يتسلّم منصباً فيه. بعد الاجتياح الأميركيّ للعراق، تولّت هيئة تحضيريّة مؤقتة إدارة الاتحاد، حتّى موعد إجراء انتخابات أولى، في صيف 2004، تلتها انتخابات ثانية في آذار (مارس) الماضي.