ينتظر الرأي العام قرار قاضي الأمور المستعجلة بشأن برنامج «مش غلط» الذي طالب ورثة منصور الرحباني بتقييد حريّته في تناول قضيّة عامة... هل دخلنا مرحلة الرقابة المسبقة على البرامج المباشرة؟
باسم الحكيم
هل يتحوّل «وطن الحريّات» كما يطيب لكثيرين تسميته، إلى بلد القمع وكمّ الأفواه؟ هل يتحوّل الوطن الرحباني الذي حفره الثلاثي عاصي ومنصور وفيروز في ذاكرة اللبنانيين والعرب إلى حطام من أجل حفنة دولارات؟ الملف الذي فتحته «الأخبار» في الذكرى الرابعة والعشرين لرحيل عاصي (راجع عدد الاثنين 21 حزيران/ يونيو 2010) تناول الحصار المضروب حول فيروز لمنعها من الوقوف على المسرح. وها قد وصلت الأمور أمس إلى حد لجوء مروان وغدي وأسامة الرحباني إلى قاضي الأمور المستعجلة في بيروت نديم زوين، لطلب منع ذكر الرحابنة (وفيروز)، وخصوصاً خلافهم وحياتهم الخاصة، في البرامج التلفزيونيّة وعلى الشاشات.
بعد أيّام على تشويه عرض «إنسي السيّارة» البلجيكي (عن روايات رشيد الضعيف) في «مسرح المدينة»، يبرز خطر جديد يهدّد الحريات الإعلامية في لبنان. فالسابقة الخطيرة التي يحاول فرضها «الرحابنة الجدد» تفتح الباب واسعاً أمام مصادرة كل أشكال التفكير والنقد وكشف الحقائق على الساحة الإعلاميّة. ما يسعى إليه أبناء منصور هو الالتفاف على برنامج «مش غلط» مع وسام بريدي على mtv، الذي أعلن استضافة الإعلاميّة نضال الأحمديّة في حلقته المباشرة هذا المساء للتحدّث عن عاصي في ذكرى رحيله. لكنّ الأحمدية ـــــ بحسب الدعوى القضائية التي رفعها مروان وغدي وأسامة ـــــ تخوض «حملة منظمة بوجه المستدعين... وهي بصدد إجراء مقابلة تلفزيونيّة على الهواء مباشرة لتناول الموضوع»، ما يكفي للمطالبة بمنعها من الهواء في نظرهم، والحجّة ما نشرته وما قالته في وسائل الإعلام. لذا، فـ«حفظاً للحقوق، يقتضي منعها من تناول المستدعين (أولاد منصور) والرحابنة عموماً، بأي شكل من الأشكال إن من خلال المقالات أو الأحاديث المسجّلة» (!)
وطالب ورثة منصور الرحباني، بإصدار قرار يقضي بمنع بثّ حلقة برنامج «مش غلط»، ومنع وسام بريدي من تناول المستدعين و«الرحابنة» عموماً، وتحديداً ما يتعلق بشؤونهم الخاصة والمهنيّة والشخصيّة... ومنعه من تسريب ذلك إلى أي موقع إلكتروني بما فيه الـYoutube. وتطالب الدعوى المحكمة بأن تقتدي بدعوى مصرف Société Générale على محطة OTV، مطالبين بغرامة إكراهيّة لا تقل عن 500 مليون ليرة لكل مخالفة.
هل تطل نضال الأحمديّة الليلة على mtv لتقول رأيها في «مضطهدي» فيروز؟
بكلمة أخرى، يسعى الثلاثي الطموح إلى منع إعلامي من طرح قضيّة عامة، ويسعى إلى محاصرته بكل الوسائل القمعيّة الممكنة، وصولاً إلى اليوتيوب... وفي حال تجاوب القضاء مع هذا الطلب، فذلك ينبئ بمرحلة جديدة تطل على المشهد الإعلامي في لبنان. إذ إنّ المسألة هنا تتعلّق ببرنامج مباشر ولا نعرف حتى الآن نيات أصحابه، وليس برنامجاً مسجّلاً يعرف فحواه مسبقاً، كما كان الأمر بالنسبة إلى برنامج Ovrira على شاشة OTV.
وتوضح الأحمديّة في اتصال مع «الأخبار»: «أردتُ أن أحيّي عاصي الرحباني كما فعلتم اليوم (أمس) في صحيفتكم، وأن أقول كم أحببتُ منصور». وقبل ساعات من صدور قرار القاضي، تسأل الإعلامية اللبنانية: أليس من المخجل أن يحوّل ورثة منصور إبداع فيروز والرحابنة إلى مسألة ماديّة؟ و«هل يحق لهم منعها من الغناء؟». وتضيف: «نحن تحت وصاية «الساسيم» الفرنسي (المندوبيّة الفرنسيّة لجمعيّة المؤلّفين والملحّنين والناشرين الموسيقيين)... والمؤدي أينما كان في العالم، يملك الحق في أداء أغنياته، فيما على المؤلف والملحن أن يحصلا على حقوقهما من الساسيم». وتضيف: «ثمة قانون اتخذ في خيمة سريّة يقضي بأن تدفع فيروز للرحابنة، أيّ لكل من زياد وريما وغدي وأسامة ومروان. وعليها أن تدفع أيضاً لفيلمون وهبه وزكي ناصيف ومحمد عبد الوهاب». وتلخص الأحمديّة ما ستقوله في برنامج «مش غلط» بأنّ «فيروز غنت في زمن السلم وفي عز الحرب. فلماذا يخافون مما سأقوله؟».
ريما الرحباني التي أصدرت أمس بياناً عن القضية، أعربت لـ«الأخبار» عن استغرابها من منع الإعلام من الكلام، مشيرةً إلى أن الحقائق بانت أخيراً للإعلام الذي يتمتّع بمطلق الحق والحريّة في تناولها... وذهبت إلى أنّ هناك مؤامرة تهدف إلى إلغاء عاصي من الأخوين، ثم تذويب الأخوين في العائلة الرحبانيّة الكبيرة، فيكتب التاريخ مزوّراً عن دور عاصي وينصف مَن تَصفهم بـ«العباقرة الجدد». كذلك ضمّنت ريما بيانها رداً على OTV بخصوص الحلقة الصباحيّة التي استضافت أمس عبد الغني طليس ونبيل أبو مراد. ورأت ريما في بيانها أنّ طليس وأبو مراد اللذين قدما تحليلاً خاطئاً يتبنى وجهة نظر من طرف واحد، تقضي بـ«الفصل بين الأخوين وتتلخص في نزاع بين ورثة على تركة».
وحتى كتابة هذه السطور، لم يكن قاضي الأمور المستعجلة قد أصدر قراره بشأن برنامج «مش غلط» الذي يبثّ مباشرة على الهواء هذا المساء. علماً بأنّ المطالبة بمحاسبة برنامج قبل عرضه تُعد سابقة. ويبقى أنّ القرار الذي ينتظره صدوره، سيكون مفصليّاً بالنسبة إلى الإعلام في لبنان، فهل سيُحاسب الصحافي على نياته من الآن فصاعداً؟

«مش غلط» 20:45 اليوم على mtv