محمد عبد الرحمنبات واضحاً للجميع أنّ تناول الصحف الحكومية في مصر للقضايا السياسية اختلف كثيراً بعد تولي جيل جديد من رؤساء التحرير المسؤولية عام 2005. لكن أكثر المراقبين تشاؤماً لم يتوقّع أن تمتدّ السياسة الجديدة في الدفاع عن صورة النظام المصري إلى الأعمال الفنية. في الآونة الأخيرة، راحت الصحف تقوّم الأفلام السينمائية على ضوء التوجّهات السياسية. وهو ما مهّد لتعرّض الممثل الكوميدي الشهير أحمد حلمي، الذي يعتبر النجم الرقم واحداً في مصر، للهجوم خصوصاً من جريدتَي «روز اليوسف»، و«الجمهورية» عقاباً له على الموضوع الذي تناوله في فيلمه الأخير «عسل أسود». علماً بأنّ الشريط يتصدّر حالياً شباك التذاكر في مئة صالة عرض.
شنّت «روز اليوسف» و«الجمهورية» هجوماً على أحمد حلمي بسبب فيلمه «عسل أسود»
في هذا الفيلم، يعود حلمي بعد عشرين سنة من الاغتراب في أميركا، ليرى الصورة الحالية لمصر ويقارنها بالصورة التي كانت عليها حين كان في الـ12 من عمره. يعود حلمي وهو مصرّ على التعامل بجواز السفر المصري، ليرصد الشريط سلسلة من المواقف التي اعتاد المصريون المرور بها يومياً. لكن الصدمة تدفع حلمي إلى استدعاء جواز سفره الأميركي لتتغير أحواله تماماً. ثم يضيع منه الجواز الأقوى في العالم مرة أخرى. ويبدأ حلمي رحلة البحث عن منزله القديم وينخرط مع عائلة الجيران ويحاول أن يرى مصر بعيون مختلفة. ويقرر وهو في طائرة العودة استخدام قوة الباسبور الأميركي والعودة إلى مصر من جديد بحجة أنه يعاني أزمة صحية طارئة.
ورغم أن الفيلم ينتهي بدعوة الجمهور للبحث عن «حاجة حلوة» في مصر ولا ينتصر لدعاوى اليائسين الراغبين في الهجرة، لكن الصحف الحكومية اعتبرته فيلماً كئيباً يشوّه صورة مصر. بل اتهمت الشاعر أيمن بهجت قمر بأنه متخصص في الكتابة المسيئة لمصر، رغم أنه ليس مؤلف الفيلم بل كتب فقط أغنيتين للشريط، الأولى حزينة والثانية تدعو للتفاؤل.
والأغنيتان تؤديهما ريهام عبد الحكيم (موسيقى عمر خيرت). الأغنية الأولى تحمل عنوان «بالورقة والقلم» وتجسد معاناة البطل بعد أن يفقد هويته. والثانية هي أغنية النهاية وتحمل عنوان «فيها حاجة حلوة» وتقول كلماتها «مصر هي الصبح بدري... مصر صوت الفجر يدن... سوبيا، فول، طعمية، كشري، دوم، بطاطا سخنة جداً...».
وما سبق يشير إلى أنّ أصحاب نظرية المؤامرة يكتبون من دون معلومات، إذ لم يلفتوا أيضاً إلى أن قمر كان متّهماً من المعارضة قبل أسابيع بنفاق النظام لأنه كتب أغنية الترحيب بعودة الرئيس مبارك من رحلته العلاجية في ألمانيا. والطريف أن معظم الذين انتقدوا الفيلم بسبب رؤيته السياسية، أشادوا بالمستوى الفني لـ«عسل أسود» الذي كتبه خالد دياب وأخرجه خالد مرعي. ورأى بعض المعارضين أن الفيلم تجنب توجيه أصابع اللوم للنظام لأنه اكتفى برصد السلبيات دون أن يبحث عن المسبب لها، وهو الرأي الذي لم يحم الشريط وصنّاعه من تهمة الإساءة لسمعة مصر.