بعدما منعتها بقوّة السلاح، عادت الرقابة اللبنانيّة لتسمح بعرض Oublie la voiture على خشبة «مسرح المدينة». العمل المأخوذ عن نصوص لرشيد الضعيف، سيشاهده الجمهور مبتوراً ومعدّلاً
سناء الخوري
«إجازة رقم 45/ م ط ص. بناءً على قرار المدير العام للأمن العام رقم 381/ ش ر. تاريخ 18/6/2010، إنّ دائرة المطبوعات تجيز لـ«مسرح المدينة» عرض مسرحيّة بعنوان Oublie la voiture». هكذا، بكل بساطة نال المسرح البيروتي إجازة عرض المسرحية بعد تجربة مريرة عاشها مساء أوّل من أمس. دورية من الأمن العام كانت قد منعت فرقة بلجيكيّة من دخول الخشبة لإتمام تدريباتها على المسرحيّة. وبعد تهديد المسرح بإقفاله بالشمع الأحمر إذا استمرّ العرض، صدرت إجازة العرض صباح أمس متأخرةً قليلاً لا بل منقوصة.
المسرحيّة مؤلفة من مجموعة نصوص بالفرنسيّة اختارها المخرج رحيم العسري من ثلاث روايات لرشيد الضعيف، هي «تصطفل ميريل ستريب»، و«إنسي السيارة»، و«أوكي مع السلامة». وكان المسرح قد حاول طيلة عشرة أيام الحصول على إجازة عرض لكن من دون جدوى. كانت حجّة الرقابة في المماطلة هي أنّ تغييراً طرأ على عنوان المسرحيّة. حينها، وجد «مسرح المدينة» نفسه مضطراً لأخذ خيار جريء فقدّم عرضاً أول للمسرحيّة برغم كلّ شيء مساء 16 حزيران (يونيو) الحالي. رأى الرقيب في ذلك تحدياً صريحاً فجاء «يلقّن درساً» للمتمادين... قبل أن يعود ويعطي إذناً بعرض Oublie la voiture كأنّ شيئاً لم يكن... قدّم المخرج المغربي البلجيكي وفرقته العمل أمس، وسيستمرّون بعرضه حتّى مساء غد لكن... مبتوراً. الإجازة الرسميّة التي حصلت «الأخبار» على نسخة منها، حذفت جملاً وعبارات رأتها «تخدش الحياء العام»، لتستبدلها بعبارات «أقلّ وطأة». فكلمة «ولجها» بالفرنسيّة مثلاً استبدُلت بكلمة «أخذها» أو «فضّ بكارتها». لغة رشيد الضعيف التي تقارب الجنس بما فيه من عنف وفجاجة، استبدلت بكلمات من نوع «حميميّة» و«براءة»، الغريبة تماماً عن روح النص. قد تبدو هذه العبارات بالنسبة للجمهور خارجةً عن سياق عمل يبدأ بحلبة مصارعة بين رجل وامرأة. «لغة الضعيف أثارتني، وخصوصاً حين يقول إنّ السرير في الوطن العربي ليس مكاناً للدفء والطمأنينة والحب، بل حلبة صراع ما بين القديم والجديد، ما بين الحداثة والأصالة»، يقول العسري لـ«الأخبار». المخرج الخمسيني سارع إلى «مسرح المدينة»

وظيفة المسرح أن يكون أداة صدمة لا فناً برجوازياً (نضال الأشقر)
فور علمه بالموافقة متلهفاً لإعادة بدء تدريباته. هناك أخبرنا أنّها لم تكن المرّة الأولى التي يتعرّض فيها للمنع في بلاد الأرز. تجربته الأولى كانت مع رقابة المجتمع الأهلي، إذ مُنع من تقديم العرض للجمهور في مدينة طرابلس (شمال لبنان)، حين وجد المسؤولون عن فضاء العرض نص رشيد الضعيف غير ملائم. الروائي اللبناني الذي حدّثنا من روما، تمنّى ألّا يتحوّل لبنان إلى امتداد لـ «الصحراء الشاسعة المحيطة بنا». وأضاف: «لا أريد أن أقول إنّ هذا تصرّف سخيف، أو صبياني. فليقرأ الرقيب ابن قتيبة، وكل كتب التراث العربي قبل أن يقول لنا قولوا هذا أو ذاك».
قد يكون على أهل المسرح في لبنان أن يشكروا الرقيب للعرض المسلّح الذي قدّمه أمام «مسرح المدينة». سابقة كان لها الفضل في أن تذكّر الفنانين والرأي العام بقانون الرقابة المسبقة الرجعي. المسرحيّة اللبنانيّة نضال الأشقر ذكّرتنا في اتصال هاتفي معها من باريس بصراع تخوضه مع غيرها من أهل المسرح في لبنان «منذ أربعين عاماً لتغيير قانون الرقابة العثماني الذي يتعاطى مع المسرح كـ«كباريه». لكننا ما زلنا نراوح مكاننا». وذكّرت الأشقر أنّ «وظيفة المسرح أن يكون أداة صدمة، لا فناً برجوازياً يضع الأقنعة كرمى لعيون من قد تخدش مسامعهم».
Oublie la voiture ستعرض إذاً... لكن لا شيء سيمحو ذلك المشهد من ذاكرة المدينة: رقيب يمنع مسرحية وبيده رشاش.
العرض مستمرّ حتى مساء الغد على خشبة «مسرح المدينة» (الحمرا). للاستعلام: 01/753010.



لا مسرح في المدينة

كأنّها تنقضّ على عصابة ما، دخلت دوريّة من الأمن العام «مسرح المدينة» (الحمراء ـ بيروت) مساء أمس. بذلات عسكريّة ورشاشات جاءت تمنع فرقة بلجيكيّة من تقديم عرض Oublie la voiture! (إنسي السيّارة). المسرحيّة المأخوذة عن ثلاثة نصوص للروائي اللبناني رشيد الضعيف، قدّمت عرضها الأوّل قبل يومين، وكان من المقرر أن تستمرّ حتّى 20 حزيران (يونيو) الحالي. لكنّ الرقيب الذي لم يكن قد منح المخرج المغربي ـ البلجيكي رحيم العسري وفرقته إذناً بالعرض حتّى لحظة صعودهم الخشبة، قرّر أمس أن يمتعنا بعرض مسلّح عوضاً عن العرض المسرحي الذي تحتفي به خشبات باريس وبروكسل منذ 2008. ويبدو أن طرح نصّ الضعيف الإشكالي للعلاقة بين المرأة والرجل، جعل الأمن العام يخشى على الحياء العام. الضعيف الذي أسف لهذا المنع، أسرّ إلينا ساخراً: «هذه المسرحيّة مهذّبة أكثر من نصوصي المنشورة التي قرأها الجميع».(الأخبار)