بغداد ـــ حسام السراي
في لحظات نادرة من يوميّات العراق التي لا تحمل أنباءً سارة، توافد البغداديون على «صالة سميراميس» لمشاهدة فيلم «ابن بابل» لمحمد الدراجي. إنّها المرّة الأولى منذ نهاية التسعينيات وأعوام الحصار، مروراً بالحرب الأخيرة، التي يشاهد الجمهور العراقيّ فيلماً عراقيّاً في صالة عرض عراقيّة، كانت مهجورة قبل أن تعيد إحياءها مجموعة شباب، مع بقاء بعض المشاكل المتعلّقة بعدم صلاحية الصوت والشاشة.
««ابن بابل» هو كلّ أولئك الذين اشتغلوا في الفيلم وشاهدوه، إنّهم جميعاً أبناء لمركز الحضارة العراقيّة» هكذا فسّر الدراجي عنوان فيلمه خلال كلمة ألقاها أمام الجمهور، ولم تخلُ من الخيبة من معظم سياسيّي العراق. إذ جال السينمائي البلاد طولاً وعرضاً، مناشداً المسؤولين دعم مشروعه ماديّاً. وحين خاب ظنّه، شدّ رحاله إلى أوروبا ليحقق ثاني أفلامه بعد باكورته «أحلام».
«ابن بابل» الذي كتب نصّه السيناريست مثال غازي، ومثّل فيه كلّ من: شازادة حسين، وياسر طالب وبشير الماجد، يحكي قصة امراة عراقيّة فقدت ابنها الضابط في الجيش العراقيّ الذي سيق إلى حرب الخليج الثانية، ليلفّه الغياب بعد اعتقاله في أحداث 1991. وبعد ثلاثة أسابيع على الاجتياح الأميركيّ لبغداد في 2003، تسمع الأم أنّ بعض المعتقلين وجدوا أحياءً في الناصرية (جنوب العراق). هكذا، تخوض رحلة من جبال كردستان إلى الناصرية، مروراً ببغداد وبابل، ومعها حفيدها الذي لم ير والده منذ ولادته أي قبل 12 سنة. وتقودهما رحلة البحث هذه، إلى رؤية الجنائن المعلّقة في بابل. في فيلمه، يوازن الدراجي بين حكايتين: المقابر الجماعيّة في الماضي العراقيّ والتصالح والتسامح في الحاضر.

فيلم محمد الدراجي عن المقابر الجماعيّة والتصالح الوطني

الناقد السينمائيّ علي حمود الحسن أشار إلى أنّ «محمد الدراجي قدّم فكرة مؤثرة ومدهشة تعاطف معها الجمهور، لكنّه لم يوصل شفرات التسامح والمصالحة والمكاشفة بين أبناء الشعب العراقي إيصالاً مقنعاً»، ويوضح «توظيف أفكار هذه الشفرات دفع ثمنه الدراجي باهضاً من جماليّة الفيلم، كونها أتت بطريقة تقريريّة ومقحمة».
إلا أنّ ما يشفع للدراجي بحسب الحسن أنّه «نجح في التعويض عن هذه التقريريّة بالسيطرة المباشرة على الممثلين شازادة حسين وياسر طالب، بمساعدة مدير تصويره الذكي الذي قدّم لقطات مذهلة لهذه المرأة ووجهها وحزنها المهيب».
ويكمل الحسن: «نجح الدراجي أيضاً في أن يلعب على المشاعر الإنسانيّة بتقديم مشاهد لا تنسى، مثل تخيّل الجدة للقاء المحتمل بين الأب وابنه كأنّها متيقنة من ذلك، فتطلب من حفيدها أن يغيّر ملابسه ويمشّط شعره». الناقد علي حمود الحسن يرى في «ابن بابل» عموماً «ما يكسر الرتابة من اللقطات الطويلة عبر حوار مقتصد فيه مسحة كوميديّة. وهذا ما جعل سينما «سميراميس» تستعيد غوايتها التي افتقدناها منذ افتتاحها عام 1965».