محمود عبد الغنيفي كتابه «رمزيّة نبيّ الإسلام في رسوم الكاريكاتور الغربية» (دار توبقال ــــ المغرب) يعود الباحث المصري محمد عطوان إلى أزمة الرسوم الدنماركيّة الشهيرة، من منظور نقدي واستقرائي. بدأ كلّ شيء حين دعا محرّر الصفحة الثقافية في صحيفة «يولاندس بوستن» عدداً من الرسامين إلى رسم النبي محمد. في نهاية الأمر، حصل على 12 صورة، اختيرت من بينها صورة تجسِّد الرسول بلحية عشوائيّة وهو يحمل سكيناً ضخماً، تحيط به امرأتان محجبتان، وفي عمامته قنبلة. نشرت الرسوم أواخر أيلول (سبتمبر) 2005، لتثير احتجاجات عنيفة شغلت العالم طويلاً. يومها، برّر رئيس تحرير الصحيفة نشره للكاريكاتور برغبته في «إثارة النقاش حول حرية التعبير والرقابة». إلا أنّ الصحيفة نفسها، كما يذكّر محمد عطوان، رفضت نشر رسوم تسيء إلى المسيح «تجنباً لإثارة غضب قرائها».
وكان الموقع الإلكتروني لصحيفة الـ«غارديان» البريطانية، قد كشف أنّ رساماً دنماركياً عرض على الصحيفة نفسها، في شهر نيسان (أبريل) من سنة 2003، سلسلة رسوم ساخرة تدور حول شخص عيسى الناصريّ. فكان ردّ رئيس التحرير نفسه: «لا أعتقد أنّ هذه الرسوم تتلاءم مع مزاج قراء الصحيفة ومعتقداتهم، بل إنها قد تثير لديهم مشاعر الغضب». يحيلنا عطوان من خلال هذا المثال إلى

تداخل العوامل الدينية والثقافية والسياسية في السلوك العام

ازدواجيّة موقف رئيس التحرير، رغم علمه بأنّ الرسوم قد تغضب المسلمين. يذكّر أيضاً بقانون العقوبات الذي يمنع، في الدنمارك، الاستهزاء العلني بالمعتقدات الدينية لأي مواطن. يشير الكتاب أيضاً إلى مواقف مفكرين أوروبيين تفهموا الصدمة القويّة التي أحدثتها الرسوم، وفي مقدمهم جيل كيبل. المستشرق الفرنسي اعتبر الرسوم تشويهاً مداناً: «إنّه لمفهوم ومتوقع أن يشعر المسلمون بالصدمة من جراء تصوير نبيهم على هذه الشاكلة. فإذا كان بعض المسلمين إرهابيين متطرفين فهذا لا يعني أن كل المسلمين إرهابيون متطرفون». من خلال المداخل النظرية التي تؤطّر هذا البحث، ثم القراءة التحليلية للواقعة ومضاعفاتها وردود الفعل المختلفة عليها، يسعى المؤلّف إلى تسليط الضوء على رمزيّة هذه القضيّة التي كادت تضع الشرق في مواجهة الغرب. يحاول محمد عطوان، من جهته، مقاربة وجهات النظر المختلفة. من خلال تحليل مسهب للهويّات الجماعية. يبرز البحث تداخل العوامل الدينية والثقافية والسياسية في السلوك الثقافي العام للأفراد. تداخل يجعل «كلّ ما له صلة بالجماعة موضوعاً رئيسياً من موضوعات السياسة».