بيار أبي صعبعلى مدونته رسالة قصيرة، تشير إلى تغيّب الكاتب بسبب «ظروف صحيّة». لكن «مغامرة الكلمات» التي تركها هنا تدلّ عليه. ابن التعدد والسفر بين الثقافات واللغات والأديان والشعوب، تعامَلَ مع الكتابة بصفتها تجوالاً عبر أصقاع الذات، ومغامرةً تفضي إلى «الآخر». وها هي «جائزة أمير أستورياس للآداب» التي فاز بها، بعد فاطمة المرنيسي وسوزان سونتاغ وأمبرتو إيكو وغونتر غراس وإسماعيل قدري، تحيّي فيه «أحد الكتّاب المعاصرين الذين احتفوا بالثقافة المتوسطيّة فضاءً رمزيّاً للتعايش والتسامح». في كل العريفات التي تقدّم أمين معلوف على الإنترنت، ستقع على العبارة نفسها: إنه «باني الجسور بين الشرق والغرب». والأرجح أن صاحب «ليون الأفريقي» اشتغل على أن يكون كذلك. لكن القطيعة التي أنتجها تاريخ طويل من الطغيان، تستعصي أحياناً ـــــ للأسف ـــــ على الأدب. علماً بأنّ بعض المحتفين بردم الهوّة، يتواطأ لإعادة حفرها. «الحروب الصليبيّة» متواصلة بأشكال مختلفة، وقلّة من الكتّاب تبذل اليوم جهداً لكي تقدّمها «من وجهة نظر عربيّة»، مثلما فعل كاتبنا في مؤلّفه الأوّل قبل 27 عاماً (أعماله معرّبة عن «دار ألفارابي»). كل حرب استعماريّة تبدأ من تزوير التاريخ. هذا التاريخ العزيز على قلب الحكواتي أمين معلوف، اتخذه مادة لبناء جمهوريّته الفاضلة، القائمة على تمجيد الاختلاف والانفتاح والتعدد. بين «الهويّات القاتلة» (1998) التي توقّع من العولمة أن تعمل على تهدئتها واستيعابها، إلى «خلل العالم» (2009) الذي حمّل مسؤوليّته لغرب لم يتعلّم من أخطائه، قطع صاحب «غونكور» مسافة حاسمة. وذلك لا يمنع من أن تتوّجه إسبانيا رسولاً لـ«التعايش والتسامح».