ليست المرة الأولى التي يثير فيها برنامج تلفزيوني زوبعة في المملكة. لكن هذه المرة، جاء الجدل بعدما استضافت المحطة الأميركية شباناً تحدّثوا عن العلاقة بين الجنسين وحقوق المرأة وقضية الاختلاط
بدر الإبراهيم
عاد الجدل مجدداً إلى الساحة السعودية حول قضية تعاطي السعوديين مع وسائل الإعلام الخارجية بخصوص القضايا المحلية. ولكن هذه المرة من بوابة قناة MTV الأميركية التي عرضت أربع حلقات وثائقية ضمن برنامجها «الحياة الحقيقية» يتحدث فيها شابان وفتاة عن الواقع السعودي منتقدين بعض العادات والكبت الذي يواجهونه.
تحدث هؤلاء بصراحة عن قضايا العلاقة بين الجنسين، وحقوق المرأة، والاختلاط وغيرها... ووصفوا بعض العادات بالتخلّف. وتحدث أحدهم عن علاقته بإحدى الفتيات وهو ما يُنتظر أن يثير زوبعة شبيهة بقضية «المجاهر بالمعصية» التي سبّبها مازن عبد الجواد حين ظهر في برنامج «أحمر بالخطّ العريض» على شاشة «المؤسسة اللبنانية للإرسال» وأدلى بشهادته عن علاقاته الجنسية. هكذا قرر عشرات المحتجين الغاضبين رفع قضية ضد البرنامج والمتحدثين فيه. وانتقدت بعض الصحف السعودية البرنامج، متهمةً إياه باستغلال الشباب لتشويه صورة المملكة والإساءة إلى العادات الإسلامية. ويثير مشهد الاحتجاج على برامج فضائية تتناول الشأن السعودي من خلال استضافة شبان وفتيات سعوديين، الجدل والنقاش حول طريقة تعاطي شرائح واسعة من السعوديين مع الإعلام الخارجي بعد سنوات من انفتاح أنتجته ثورة الاتصالات في العالم، ما جعل المجتمع في قلب حركة العالم متعرضاً لتأثيراتها المختلفة.

انتقدت بعض الصحف البرنامج، متهمةً إياه بالإساءة إلى العادات الإسلامية

والملاحظ أن مجموعة من المحافظين التقليديين تقف إلى جانب المحافظين الدينيين لتكوّن جبهة تتعاطى بحساسية مفرطة مع كل تناول إعلامي خارجي للشأن السعودي. ورغم أن قضايا مثل التي طرحت في القناة الأميركية تناقَش باستمرار في الإعلام السعودي، إلا أن الأمر يثير «الغيرة» الوطنية والدينية حين يتصل بالإعلام الخارجي. ويغيب عن هذه المجموعات أن الإعلام الداخلي يُقرَأ في الخارج، وأن إعلام الخارج يَقرَأ الداخل بسهولة، وأن الخصوصية في النقاش لم تعد ممكنة في عصر السماوات المفتوحة. ما يجعل المطالبة بحصر النقاش محلياً خارج المنطق وحركة التاريخ. كذلك يبدو واضحاً، الخلط بين التشويه والنقاش. ويعود هذا إلى تصوير المجتمع ككتلة صماء واحدة، تؤمن باعتقادات ثابتة لا يجوز إبراز غيرها. ويسهم في هذا الخلط أيضاً تعوّد مجتمعاتنا على منهج قمعي يغلق باب الحوار ويصنِّفه في خانة التشويه المتعمد.
هذا الاحتجاج المتكرِّر ما هو إلا إفراز لفهم خاطئ لطبيعة دور الإعلام. إذ إن المألوف هو أن يغيب (أو يُغيَّب) النقد عن الإعلام ويحضر التطبيل والتزمير. وقد كان من المنطقي والضروري أن يتحدث أولئك الشباب في قنوات عربية لا في قناة غربية موسيقية. لكن يبدو أن الإعلام نفسه لا يفهم دوره... فكيف يفهمه الآخرون؟
قد تتطور هذه القضية وقد لا يحدث جديد، وربما ترفع هيئة التحقيق والادعاء العام القضية إلى المحكمة للنظر فيها ونشاهد محاكمة للشابين والفتاة، لكن الأهم أن حراكاً كهذا يكرّس المزيد من الخطوط الحمر في وجه الإعلام وحرية التعبير.