رحل ملحم كرم، وترك خلفه عدداً كبيراً من الأزمات والأسئلة: من سيستلم المنصب الذي يندرج هو الآخر ضمن المحاصصة الطائفية؟ ما هي شروط الترشيح؟ وماذا عن مالية النقابة؟ أسئلة كثيرة تبقى رهن الأيام المقبلة
ليال حداد
بعد أقل من شهر على وفاة نقيب المحررين ملحم كرم (22 أيار/ مايو الماضي)، بدأت مشاكل النقابة تخرج إلى العلن. وهو ما كان متوقعاً، بعدما أمسك كرم برئاسة النقابة لمدة قاربت خمسين عاماً. أول ملامح الخلاف ظهرت خلال الجلسة الأولى للنقابة بعد رحيل كرم. يومها، اختلف المجتمعون على من يرأس الجلسة. وهو الخلاف الذي تطوّر ليتحوّل اليوم إلى صراع (محتدم) على كرسي النقيب.
وإن كان هذا الصراع مشروعاً ومرحّباً به بعد خمسة عقود من غياب الديموقراطية عن النقابة، فإنّ الطابع الذي اتخذته المنافسة، تخطّى حدود الديموقراطية المرتجاة، ليدخل في زواريب الطائفية اللبنانية المعتادة.
إذ يقول مصدر مطّلع على أوضاع النقابة لـ«الأخبار» إنّ نائب النقيب سعيد ناصر الدين، اقترح على مجلس النقابة أن يكمل هو ولاية ملحم كرم، التي تنتهي عام 2012 «تفادياً لاندلاع خلافات بين المرشحين». وهو الاقتراح الذي يبدو أنّه أغضب بعض الأعضاء الموارنة في المجلس. والمعروف أن هناك تقليداً متّبعاً في لبنان يقضي بأن يستلم مسيحي ماروني نقابة المحرّرين، على أن يتربع على عرش نقابة الصحافة، مسلم سني. أما الطائفة الشيعية، فيترأس أحد أبنائها «المجلس الوطني للإعلام المرئي والمسموع».
وتفادياً لاستلام ناصر الدين النقابة في العامَين المقبلَين، بدأ يتردّد بحسب المصدر أن أربعة من الأعضاء الموارنة الخمسة في النقابة، سيرشّحون أنفسهم لمنصب النقيب. وكما يوضح المصدر، فإنّ الأربعة هم منير نجّار، وحبيب شلوق، وجوزيف قصيفي، وعبده شختورة. أما العضو الماروني الخامس، طانيوس دعيبس فيقول لـ«الأخبار»، إنّه لا علم له حتى الساعة بأي ترشيحات «ولكننا كنا ننتظر هذا التنافس منذ أكثر من خمسين عاماً ويجب أن نهلّل للموضوع، لأنّه يُعد تطوّراً كبيراً بالنسبة إلى عمل النقابة». أما عن اقتراح نائب النقيب بإكمال الولاية، فيوضح دعيبس «يجب أن يستمر نائب النقيب بإدارة عمل النقابة، ولكن بالتزامن مع دعوة مجلس النقابة إلى انتخابات جديدة». والواقع أنّ النظام الداخلي للنقابة، ينصّ على دعوة نائب النقيب المجلس التنفيذي للنقابة لاجتماع ينتخبون على أساسه نقيباً جديد.
وينظر دعيبس بتفاؤل إلى المرحلة المقبلة، «في الماضي، كان هناك واقع مرتبط بشخص ملحم كرم. واليوم، لم يعد هذا الواقع موجوداً... نحن على أبواب تاريخ جديد من عمل نقابة المحررين».
غير أنّ الأجواء احتدمت بين أعضاء النقابة سراً، مع اقتراح أحد الأعضاء تسليم رئاسة النقابة إلى... ثائر ملحم كرم، نجل النقيب الراحل. ويقول المصدر إنّ هذا الاقتراح أثار غضب كثيرين داخل النقابة وخارجها، ممن كانوا يتحيّنون الفرصة لإحداث «انقلاب» سلمي في النقابة وإجراء إصلاحات عدّة.
أما المشكلة الأكبر التي طفت على السطح مجدداً مع رحيل ملحم كرم، فهي مالية النقابة. مع رحيل النقيب السبعيني، انكشفت أمور عدة كان يجهلها أغلب أعضاء النقابة. المشكلة الأولى، هي أن مقرّ النقابة تابع لملحم كرم. إذ يجتمع المجلس في أحد طوابق المبنى الذي يملكه كرم في الأشرفية. وهو المبنى نفسه الذي يحتوي على المطبوعات التي يصدرها كرم مثل مجلة «الحوادث»، وصحيفة «البيرق»، ومجلة La Revue Du Liban. ومن غير الواضح حتى الساعة بالنسبة للجميع إن كان كرم قد وهب هذا المقرّ للنقابة، أم أنّه لا يزال ضمن قائمة أملاكه.

خرج اقتراح من داخل النقابة يطلب باستلام ثائر ملحم كرم منصب النقيب
ورغم إصرار أغلب أعضاء مجلس النقابة على عدم التحدّث في الموضوع المالي، إلا أن المصدر يقول إنّ الفرضية ترجّح الخيار الثاني. وبالتالي، ففي الفترة المقبلة، قد تجد النقابة نفسها من دون مقرّ تجتمع فيه. «منذ سنوات طويلة يجري الحديث عن شراء أرض للنقابة، وبناء مقرّ خاص عليها، ولكن هذا المشروع لم يدخل يوماً حيّز التنفيذ، إذ كان بانتظار التمويل اللازم» يقول طانيوس دعيبس.
أما المشكلة المالية الثانية التي تعتبر أخطر من الأولى، فهي كما يقول المصدر أن النقابة كشخصية معنوية لا تملك شيئاً باسمها. بل إنّ كل الممتلكات والأموال باسم ملحم كرم، «مثلاً اشترى كرم أحد المباني في الأشرفية، وهو المركز السابق لحزب «الوطنيين الأحرار» بملايين الدولارات، من أموال النقابة، وكتبه باسمه» يقول المصدر. وعند الحديث عن الأزمة المالية للنقابة، يذكّر البعض بالامتيازات التي كان يتمتّع بها أعضاء نقابة المحررين، وقد ألغاها مجلس الوزراء عام 2003. وكتعويض عن إلغاء هذه الامتيازات، أعطى رئيس الحكومة السابق فؤاد السنيورة مبلغاً مالياً للنقابة لتغطية هذه الامتيازات، ولكن ذلك لم يحصل، ولم يستفد من الامتيازات إلا قلة قليلة من الصحافيين. أين ذهبت كل تلك الأموال؟ وعلى ماذا صُرفت؟ يبدو أن أحداً لا يعرف الجواب عن هذه الأسئلة.


شروط وهمية؟

ينفعل أحد أعضاء المجلس التنفيذي لنقابة المحررين عند الحديث عن استنسابية في قبول طلبات الانتساب إلى نقابة المحررين. ويقول إنّ أي صحافي يستوفي الشروط المطلوبة يدخل إلى النقابة. والشروط هي بحسب هذا العضو هي: «أن يكون طالب الانتساب موظّفاً في إحدى الصحف، ومضموناً في مؤسسته الإعلامية، وحائزاً شهادة الفلسفة وما فوق». وماذا عن مئات الصحافيين الذين يستوفون هذه الشروط، وغير مدرجين ضمن جداول النقابة؟ يقول بانفعال «أتحدّى أي شخص استوفى هذه الشروط وقدّم طلب انتساب ولم يقبل، أن يواجهنا»!