احتلّت الموسيقى الكلاسيكية مساحة خجولة في مهرجانات الصيف اللبنانيّة هذا العام. مهرجانات «بيبلوس» التي طالما نأت ببرنامجها عن هذا النمط، تختتم برنامجها المنوّع غداً، بموعد كان إلى الأمس القريب من اختصاص «بيت الدين» و«بعلبك»، من خلال عمل أوبرالي يقدّم في عرضه المشهدي الكامل. في «بيت الدين»، طرأ تحسنٌ طفيف هذا الصيف، غير أننا لا نزال بعيدين عن المستوى الذي قدّمه المهرجان الشوفي قبل 2005. طبعاً، هذا النمط يعيش أزمة عالمية بدأت أواخر الثمانينيات. أضف إلى ذلك الحالة اللبنانية الخاصة، وعلاقة الجمهور المحلي غير الصحية بالموسيقى الكلاسيكية. الأغنياء يعدّونها أكسسواراً ضرورياً. الفقراء حاقدون عليها لهذا السبب. والإعلام ينبشها فقط عندما تُفرَض عليه برمجة تتماشى مع الحداد على «راحلٍ كبيرغداً وبعد غد، ستحتل الأوبرا موقع الصدارة في «بيبلوس» و«بيت الدين» على التوالي، في محطتين كلاسيكيّتين غربيّتين، هما «زواج فيغارو» و«مجموعة كراكوف لموسيقى الحجرة». لكن قبل هذه وتلك، لا مفرّ من الإشارة إلى مفاجأة سارة قدّمتها «بعلبك» لجمهورها الأسبوع الماضي. الأمسية الكلاسيكية الوحيدة على برنامج المهرجان العريق، حملت إضافة نوعيّة إلى الآذان الخبيرة في الأداء الكلاسيكي، وحفلت بلحظات نادرة في هذا المجال.
في تلك الأمسية، أتى أداء افتتاحية Egmont لبيتهوفن عادياً جداً من القائد البولوني كريستوف بنديرتسكي وفرقته الأوركسترالية السيمفونية. وبعد عزف مؤلفة بنديرتسكي، أي كونشرتو التشيلو، حيث الأهمية الأولى هي للتأليف وليست للأداء (بما أنها مقطوعة معاصرة والمهم هو تقبّلها أو عدمه)، كادت أعمدة بعلبك تصفّق لأداء عازف البيانو الشاب كريستوف يابلونسكي في كونشرتو البيانو الأول لشوبان. باستثناء الدخول المتوتّر للبيانو بعد افتتاح الأوركسترا للحركة الأولى، لا نبالغ إذا قلنا إن يابلونسكي قام بعمل عظيم، وخصوصاً في الحركة الثالثة، إذ خطا أداؤه فيها تسجيلات مرجعية. وإذا وُفِّق يابلونسكي في تسجيل هذا العمل كما أدّاه في بعلبك، فسيحظى بالتأكيد بترحيب عالمي. لكن، للأمانة، لم ينجح العازف في تقديم أداء جيّد في المعزوفتين المنفردتين اللتين أضافهما نزولاً عند رغبة الجمهور، وهما من عند شوبان أيضاً، الـ«بولونيز البطولي» (الرقم 6) والتمرين الرقم 12 من المصنف الرقم 10.
لكن لنعد إلى «بيبلوس» الذي يختتم برنامجه مساء غد بعرض وحيد لأوبرا موزار «عرس فيغارو». الخطوة بحدّ ذاتها مرحّبٌ بها، لكنّ هذا لا يجعلها بمنأى عن الملاحظات. هذا الموعد الكلاسيكي يمكن تشريحه لتبيان حسناته ونقاط ضعفه. لا شك في أن اختيار العمل موفّق جداً. فـ«فيغارو» ـــــ كما ثبت عبر التاريخ ـــــ من أهم الأعمال في فئته، ومن أكثرها عرضاً وتسجيلات. فهو، كرائعة فنية، لا يحتاج إلى شهادة من أحد، بل يعلو فوق النقد متسلّحاً بتكريس الزمن. ما يمكن الحكم عليه، ينحصر في أمرين: الأداء الموسيقى والغنائي من جهة، والسينوغرافيا (مارون عازوري) والإخراج (لوقا فالنتينو) والتمثيل من جهة ثانية. ولا بدّ من انتظار العرض للحكم على جودة هذه العناصر المتغيّرة بين نسخة وأخرى.
السوبرانو اللبنانيّة في دور سوزانا، وتوفيق معتوق في دور فيغارو
أما أمسية «بيت الدين» (31/ 7) فستشهد أيضاً حالة ترقّب، لكن من نوعٍ آخر. الفرقة البولونية Krakow Chamber Ensemble ستحيي الذكرى المئوية الثانية لولادة فريدريك شوبان (1810 ـــــ 1849)، بإشراف عازف البيانو Bartłomiej Kominek. غير أن شوبان لم يكتب أعمالاً لهذه التركيبة السداسية (أي بيانو وخماسي وتريات يتألف من آلتي كمان، فيولا، تشيلّو وكونترباص)، ما يعني أنّه جرى توليف النسخ الأصلية للمعزوفات التي ستؤديها الفرقة. وفي هذه الحالة يمكن أن تأتي بنتيجة جيدة جداً (بغض النظر عن الأداء) أو رديئة، وهذا استناداً إلى محاولات مشابهة في عالم الموسيقى. هنا أيضاً، لا مجال لمعرفة النتيجة مسبقاً... حاولنا أن نحصل على أي تسجيل للفرقة، غير أن ذلك يبدو صعباً جداً. حتى لجنة المهرجانات، وفي الإعلان الترويجي للحفلة، لم تستخدم مقتطفاً من ريبرتوار الفرقة، بل مقطعاً من الحركة الأولى من سوناتة البيانو الثانية لشوبان في نسختها الأصلية.
«عرس فيغارو» مساء غد ــــ «بيبلوس» (جبيل). للاستعلام: 09/542020
Krakow Chamber Ensemble مساء 31 تموز (يوليو) الحالي. «بيت الدين» (الشوف). للاستعلام: 01/373430
