جورج موسىكارول سماحة في طرابلس... ما اللافت في ذلك، ما دامت تحيي حفلة كغيرها من سهرات الصيف العامرة في لبنان؟ في الواقع، لقد حملت الأمسية الأولى للدورة السابعة من «مهرجانات طرابس الدولية» دلالات عدّة، لعلّ أبرزها ذلك التناقض بين المغنية اللبنانية وعاصمة الشمال.
لا شيء يجمع بين مطربة نابضة بالحياة ومدينة يكاد يتوقف النبض فيها. فليس سرّاً أن ثانية مدن لبنان، تُعاني منذ سنوات من التهميش والترييف والإهمال، لظروف اجتماعية وقرارات سياسية.
وباختيار كارول، يمكن الحديث عن «مغامرة»، مقصودة أو غير مقصودة، أرادت من خلالها جمعية طرابلس السياحية افتتاح مهرجانها اليتيم الذي يعاني ـــــ بطبيعة الحال ـــــ من شلل وغياب تخطيط جدّي، تحكمهما شروط التمويل وظروف المدينة وحوادث البلد: عدوان تموز، ونهر البارد، وجولات العنف بين التبانة وجبل محسن...
بعد تأجيل الحفلة أسبوعاً، كان الموعد مساء السبت الماضي في «معرض رشيد كرامي الدولي». الحضور بدأ يتجمهر أمام المعرض، متحسِّراً على أجنحة ومدرَّجات، يمكنها ـــــ بأشكالها الإسمنتية المتميّزة والعائدة إلى الستينيات ـــــ أن تنافس قصر بيت الدين وقلعة بعلبك وشاطئ جبيل. لم يمتلئ مدرج الهواء الطلق سريعاً. لم يكن قد امتلأ كلُّه حين بدأت الأمسية.
وبعد كلمات الترحيب والوعود بـ«إعادة العزّ إلى الفيحاء»، أطلَّت كارول. بفستان قصير مكشوف الكتف، وعلى أنغام أغنية «ما بخاف... بعمل أنا اللي بحسّه»، صعدتْ إلى الخشبة. بدت ـــــ أو طاب لبعض الحاضرين التخيُّل ـــــ كأنها تقتحم، بجرأتها وأنوثتها وجنونها، قلعة قُدّر لها أن تظهر مكبوتةً، ومنغلقة، ومتقوقعة على نفسها.
شيئاً فشيئاً، بدأت تُشعل جمهوراً، متعطّشاً بدوره للتغيير. يلفتك حسن اختيارات تلك المطربة التي تتقدم بشكل ثابت ومتين، متسلّحة بحضور قوي، وخبرة مسرحية، وصوت متمكن، يتقن جميع ضروب الغناء: الكلاسيكي، والإيقاعي، والشعبي والطربي.
رقصت كأنها لم ترقص من قبل، تمايلت بالدف الذي بقي يقبّل خصرها طويلاً. احتفلت مع الجمهور بعيد ميلادها، وقدّمت توليفة من أغانيها: «حبيب قلبي»، و«غالي عليّ»، و«خليك بحالك»، و«اطلَّع فيِّي هيك»، و«علي»، و«حدودي السما»... وأغنيات شعبية شهيرة.
ساعة ونصف لم تهدأ، ولم يهدأ الجمهور، ولم يخنها الصوت. سماحة لا تُفضّل أن تُحصر بلون محدد، وقد يكون ذلك نقطة القوة والضعف لديها معاً. ذلك أن الجمهور يبحث عادة عن هُوية محددة لنجمه المفضّل، إلا أنها ـــــ مع ذلك ـــــ قادرة على التفنن بجميع الألوان.
انتهت السهرة، خرج الجمهور منتشياً بأحد المواعيد النادرة في المدينة.
بعضهم لم يشبع من كارول، بعضهم الآخر بقي مشدوداً بسحر المكان، فيما أجمع الكل على أن سماحة تستحقّ موقعاً أمامياً على خريطة المهرجانات، وأن طرابلس تحتاج لكل الدعم، حتى تحضر على الصعيد الوطني العام، وفي المجالات كلها. في الجدول تالياً، سهرة مع فارس كرم، وأمسيات شعر وأوبرا ورقص هندي وأندلسيات... الافتتاح كان موفقاً، فكيف يُكمل المهرجان؟