لعبة القط والفأر بين المنتج والقراصنة لم تنته. ها هي التقنيات الجديدة والمواقع الإلكترونية تمثّل دعماً قوياً لهم من دون حسيب ولا رقيب. هكذا، صدر حكم الإعدام على الكاسيت، وقريباً... الـ«سي دي»!
ربيع فرّان
تبدو الأزمة كبيرة جداً في عصر الـ«سي دي». لقد ولّى زمن الكاسيت، وذهب الناس إلى الـ«داون لود» (Download) والـ«آي بود» (I pod) لرسم أبعاد جديدة، أقل كلفة من ذي قبل، في ما يتعلَّق بسماع الأغنيات المفضلة. لكن المعضلة الدائمة في العالم العربي، وخصوصاً في لبنان، تكمن في أن للقرصنة حكايات أخرى تبدأ ولا تنتهي.
في عام 2007، عمل أحمد أسعد، المدير السابق لمكتب بيروت في شركة «روتانا»، مع القوى الأمنية للحدِّ من ظاهرة القرصنة. يومها، داهمت القوى الأمنية أماكن عدّة في طرابلس وضاحية بيروت الجنوبية حيث يُنسخ الـ«سي دي» ويباع بأسعار أقل بكثير من السعر الأصلي. وقد دفعتْ هذه المداهمات بالوليد بن طلال إلى الموافقة على قرار خفض سعر الـ«سي دي» إلى أربعة دولارات أميركية في جميع الدول حيث توزع الشركة إصداراتها.
هذه السياسة قلّلت فعلاً من قدرة القراصنة على الاستيلاء على سوق الإصدارات الغنائية، فعوّضت القليل من خسائر الشركة السعودية. كما وجَّهَ قرار إقفال مصنع الأسطوانات التابع لـ«روتانا» في منطقة الجناح في بيروت عام 2009 ونقله إلى الرياض، ضربةً موجعةً للقراصنة وبعض المتعاونين الذين كانوا يسرّبون الإنتاجات إلى مافيات الـ«سي دي». وبالتالي، أصبح ما يُسمّى بـ«القرص الماستر» بيد شخصين أو شخص واحد، يعمل على إرساله إلى الرياض. وهناك، يتمُّ الطبع والشحن من جديد إلى بيروت والعالم.
لكن الخطّة «الروتانية» التي ضبطت إنتاج الشركة بنحو 40 في المئة، كانت تعود وتصطدم بالحائط مع كل صدور جديد. إذ سرعان ما يعمد أصحاب الماكينات الضخمة إلى طبع النسخ الجديدة وتوزيعها على الطرق بسعر أقلّ من دولار واحد، فيما تُفضِّل أقلية شراء النسخة الأصلية بقيمة 4 دولارات من محال الـ«فيرجين»، صاحبة الكلمة الفصل في تحديد المراتب والإصدارات الجديدة. وهنا، بدت تجربة إليسا في جميع إصداراتها واحدة من أهم التجارب التي تعوّل عليها الشركة السعودية لبقائها من جهة، وللمكابرة من جهة ثانية، عبر إعلانها أنّ إنتاجها الأصلي ما زال قادراً على تحقيق أرقام قياسية في حرب الإنترنت!

القط والفأر

لعبة القط والفأر بين المنتج والقراصنة لم تنتهِِ هنا. ذلك أن «روتانا» مثلاً، فضلاً عن خفض سعر الأسطوانة، لجأتْ إلى «حيل» أخرى، آملةً محاربة القرصنة ولو موقتاً أو جزئياً. هكذا حاولتْ الشركة تضليل «المقرصنين» عبر تحديد مواعيد سريّة لإصدار الألبومات الجديدة، غير تلك التي يُعلَن عنها عبر وسائل الإعلام. ولدعم مخططها، كانت تطلب من بعض نجوم الصف الأول كحسين الجسمي، وإليسا، ونجوى كرم، وعمرو دياب، وعاصي الحلاني، وفارس كرم، وشيرين وفضل شاكر... أغنيةً من مجموعة قد تصل إلى 14 أغنية في ألبوم واحد، لتبدأ ببثها عبر الإذاعات قبل أسبوعين من إصدار العمل كاملاً. إلا أن المواعيد الفجائية لإصدار ألبومات الصف الأول لم تكنْ تؤتي ثمارها المرجوّة على المدى الطويل: ذلك أن معجبي هذا الفنان أو ذاك كانوا يتحمّسون لشراء الألبوم في الأيام الأولى لصدور العمل، قبل أن تنتشر الأسطوانة، ويعود القراصنة إلى سابق نشاطهم!

على الأثير

خطوةٌ ثانية قامتْ بها «روتانا» للحدِّ من الخسائر... في عام 2007 أيضاً، وجَّهَتْ الشركة كتاباً إلى الإذاعات، تلزمها فيه بمنع بث أي أغنية تملكها الشركة قبل دفع المستحقات المترتّبة على استغلال حقوق العمل الفني. لكنّ الكتاب لم يدخل حيّز التنفيذ، وانتهت المسألة باجتماع كان بمثابة ترضية خواطر بين ممثلي الإذاعات اللبنانية ومدير المشاريع والتطوير في «روتانا» فراس
خشمان.
كلّ ما سبق إذاً لم يكن سوى اختبارات فاشلة، أجرتْها الشركة لمعرفة إنْ كان بإمكانها السير قدماً نحو قبض الحقوق المادية لإصدارتها الفنية، وتالياً إيقاف الهدر الحاصل بسبب القرصنة، ولو عبر الإذاعات. وقبل شهر فقط، عادتْ الشركة وأرسلت كتاباً صورياً إلى إذاعة «ميلودي» تلزمها فيه بعدم بث أغنية نجوى كرم «بالروح بالدم». إلا أن الإنذار المتعلِّق بأغنية أنتجتها كرم نفسها، ذهب بدوره أدراج الرياح.

عوّلت الشركة السعودية على إليسا وإصداراتها من أجل البقاء، ولكن...

وهكذا، يبدو جليّاً أن كلّ هذه السيناريوهات لم تسهم حتى اليوم بالحدِّ من هجوم القرصنة. بل على العكس، يرى متابعون أن خطوات مماثلة قد تدخل الشركة في حروب جديدة، هي في غنى عنها، لا سيّما أنها، أي «روتانا»، تواجه أزمةً اقتصادية ملحوظة. علماً بأنّ الحفلات التي تُقيمها الشركة منذ بداية عام 2006، لم تسعف الوضع. أضفْ إلى ذلك انعدام التسويق الخاص للألبومات الغنائية والاكتفاء بإعلانات تلفزيونية على شاشات «روتانا». وهو أمرٌ تحاول «ميلودي» تفاديه، عبر تقاضيها مبالغ خيالية مقابل بثِّ كليبات ليست من إنتاجها. وهي كليبات تعمد إلى توزيعها وحفظ حقوقها عبر خدمة الـ«أس أم أس». في المحصِّلة، التقنيات الجديدة لم تعد توفر أحداً والمواقع الإلكترونية مثّلت دعماً قوياً للقرصنة من دون حسيب أو رقيب. وهذا بحد ذاته، يعدُّ مساساً بالحقوق المعنوية والمادية، ما أسهم في إعدام الكاسيت، وقريباً... الـ «سي دي»!

طبقية فنية

ولعلّ أزمة «روتانا» ومعها باقي شركات الإنتاج الكبرى لا تقف عند حدود القرصنة، والخسائر التي تتكبّدها بسبب ذلك، بلإن كلفة الأسطوانة تصل اليوم بحسب بعض العاملين في سوق الأسطوانات إلى ما يقارب الـ500 ألف دولار. ويشرح هؤلاء أن الشركات الكبرى ترصد مبلغاً يُراعي قيمة الفنان المعنوية، مصنفةً إيّاه ضمن فئات تُراوح بين «أ» و«ب» و«ث»... إلى ذلك، يتقاضى الفنان من الشركة أجرة صوتٍ، تكون بمثابة التنازل عن حقِّهِ المادي من بيع الأسطوانات.
وعلى سبيل المثال لا الحصر، تضمُّ المرتبة الأولى «أ+» كلاً من: جورج وسوف، ونجوى كرم، وعاصي الحلاني، وعمرو دياب، وأحلام، ونوال الكويتية، وإليسا، ونوال الزغبي، وكاظم الساهر، وعبد الله الرويشد، وعبد المجيد عبد الله، وصابر الرباعي، ومحمد عبده، وشيرين وفضل شاكر، ووائل كفوري، وفارس كرم، وأصالة، وهيفا وهبي... وتصل أجرة الصوت في هذه الفئة إلى نحو مليون
دولار.
أما بالنسبة إلى الفئة التالية «أ -»، فتضمُّ: أنغام، ونور مهنا، وأيمن زبيب، ورامي عياش، ومروان خوري، وأمل حجازي، محمد فؤاد، وهشام عباس، وفايز السعيد، وعادل مختار، وهند البحرينية، وسعود أبو سلطان... وفيما تشمل الفئة الثانية «ب»: ميسم نحاس، وكارول صقر، وغريس ديب، وسارة الهاني، وباسمة... تضم الفئة الثالثة كلاً من رجاء المغربية، وسيرين عبد النور، ومحمد المجذوب، هودى سعد، و«الفوركاتس»...



أكثر الألبومات مبيعاً

وسط غياب إحصاءات رسمية تُحدد الأسماء الأكثر مبيعاً في الأشهر القليلة الماضية، تُشيرُ التقديرات وأرقام بعض المكتبات الموسيقية إلى احتلال الأسماء التالية مواقع الصدارة: حسين الجسمي (خليجياً)، إليسا ونجوى كرم وجورج وسوف وفضل شاكر وفارس كرم (لبنانياً)، عمرو دياب وأبو الليف (الصورة)
وشيرين (مصرياً)