في «المرأة السعوديّة في الإعلام»، تضع الباحثة والصحافية السعوديّة مها عقيل إصبعها على الجرح. غياب مواطناتها عن هذه المضمار امتداد لما يتعرّضن له من قمع، اجتماعياً دينياً وسياسياً
علي السقا
لا يمكن فهم حقيقة الدور والمكانة اللذين تشغلهما المرأة السعودية في إعلام المملكة، من دون الإحاطة ولو جزئياً بموروث البلد الثقافي. المرأة السعودية تخضع، شأنها شأن أبناء مجتمعها، لنماذج عدة من العلاقة بالسلطة السياسية، والدينية، والاجتماعية ـــــ العائلية. في البحث الذي أعدّته الصحافية والباحثة السعوديّة مها مصطفى عقيل تحت عنوان «المرأة السعودية في الإعلام» (الدار العربية للعلوم ناشرون)، نطالع قراءةً للأسباب التي تسلبها حقّها في شغل المناصب السياسية والإدارية والإعلامية الرفيعة. ولو شغلت بعضها، فإنّها ترزح تحت كمّ من المحظورات الاجتماعية والدينية.
الحديث عن الإعلام في السعودية لا يمكن أن يقف عند حدود العلاقة بالمرأة، أو «الدور» الذي يضطلع به في دعم قضايا النسوية. الحديث عن المرأة يبقى محصوراً في أمور ثانوية تندرج في نطاق الإخبار عن حوادث الاغتصاب أو الشؤون المنزلية. من هذا المنطلق، ترى مها عقيل أنّ مأزق الإعلام في السعودية هو أحد أوجه تأزم المجتمع السعودي. هنا، تضمحل الحدود بين السياسي والاجتماعي والديني، وتنصهر المفاهيم في طريقة عجيبة لتكوّن مجموعة من الأعراف والتقاليد التي يصعب على السعوديين، نساءً ورجالاً، تخطيها. المملكة التي شهدت طفرة نفطية، وجدت نفسها مجبرةً على مواكبة متطلبات الحداثة التقنية. هكذا، بنيت أول إذاعة في مطلع الثلاثينيات ولم تبث أول برنامج محلي إلا عام 1949. كان ذلك بعد مفاوضات عسيرة بين الملك عبد العزيز ورموز السلطة الدينية، استطاع فيها أن يقنعهم بجدوى وجود الراديو لبثّ القرآن الكريم مباشرة بين مكة والرياض. لا يختلف التلفزيون حالاً عن الراديو. فقد دخل الخدمة عام 1965، وتطلب الأمر استمالة الملك فيصل لرجال الدين وإقناعهم «بالدور الضروري الذي يساعد به التلفاز في التصدي للدعاوى والشائعات القادمة من دول الجوار» (انتقاد الوهابية والملكية السعودية). وفي هذا السياق، كان الإعلام منذ البدايات ضحية تضارب المصالح واختلاف الأمزجة بين السلطتين السياسية والدينية، وفي أحسن الاحوال تواطؤهما.

الصحافية السعوديّة تحتاج إلى إذن ولي أمرها لتحاور رجلاً

ترتبط العلاقة المتأزمة بين المرأة والإعلام في السعودية بمجموعة محرمات ومحظورات: من ارتفاع نسبة الأمية مقارنة بالرجال، إلى القيود العائلية، منع النساء من قيادة السيارات، إضافة إلى أنّ أقسام الإعلام لم تفتتح في كليات البنات إلا قبل أربع سنوات فقط...
من جهة ثانية، فإنّ المرأة العاملة في الصحافة اليوم تحتاج إلى إذن ولي أمرها ـــــ أو ربما مرافقته أو منعه لها ـــــ إذا ما اضطرها عملها إلى السفر أو إجراء مقابلة مع رجل ما. عوائق جعلت المرأة لا تحتل في الاعلام السعودي إلا نسبة 3.27 في المئة... وغالباً ما يكون دخولها هذا المضمار على حساب تخلّيها عن الزواج!
تخضع الوسائل الإعلامية في السعودية لـ«إرشادات» منتظمة من وزير الإعلام. وكثيراً ما يُسجن بعض الصحافيين أو يقالون أو تُسحب الصحف قبل توزيعها ثم إعادة طباعتها. حتى البرامج التلفزيونية تخضع لرقابة مشددّة أيضاً. فقد منعت قناة «العربية» من بث مقابلة مع ناشط سعودي في حقوق الإنسان لأنّه انتقد «هيئة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر». كما سحبت حلقة من برنامج «امرأة وأكثر» كانت تقدمه المخرجة السعودية هيفاء المنصور على قناة LBC الفضائية لمناقشتها زنى المحارم وقضايا المرأة السعودية. «نريد أن نخاطَب باعتبارنا صاحبات عقول مفكرة ونشاط وثقافة لا مجرد ربات بيوت» ختمت مها عقيل بحثها بحسرة وغضب.