زينب مرعيحين خطفها الموت على تلك الطائرة الإثيوبيّة، التي تحطّمت في 25 كانون الثاني (يناير) 2010، لم تكن آنا عبس (1973) قد اقتنعت بموهبتها بعد. كانت قد تركت معظم لوحاتها من دون توقيع، ولم تكن تخطّط لعرضها. اليوم، بعد رحيلها المفجع، تعرض عائلتها تلك اللوحات في «غاليري عايدة شرفان» تحت عنوان «تكريم لآنا»: مئة لوحة بين الباستيل، والألوان المائية والزيتيّة والرسم، هي حصيلة أعمال عبس. لوحات تعبيريّة تقترب من التصوير، كأنها جزء من رواية تخبر قصّة أشخاص يفيض الملل من عيونهم الذابلة. يمضون أيامهم في المقاهي والكازينو أو على الكنبة، أو يمارسون حياتهم اليوميّة.
«تكريم لآنا» الفنانة التي لقيت حتفها على متن الطائرة الإثيوبية
أشخاصها متشابهون. وفي بعض الأحيان، تعيد رسم الشخصيّة ذاتها. ما يعزّز لدى المشاهد انطباع التصوير. هم في حالة جمود حتى في لوحة «الراقصون»، حيث لا حركة، تماماً كما في لوحات «الاسترخاء» و«السيجار» و«القيلولة»...
تصوّرهم عبس كأنّهم في لحظة استراحة من الحياة. تبدو لوحاتها محكومةً بقوّة الجاذبيّة من جهة، وبالتناقض من جهة أخرى. الجاذبيّة تشدّ كلّ ما في اللوحة إلى الأسفل. الوجوه والأنوف طويلة، والأجساد مرتخية، والجلد مشدود إلى الأسفل، كلّها تعطي انطباعاً بثقل الحركة والركود.
اللون الأزرق الذي تصبغ به التشكيليّة بعض أشخاصها يوحي بالموت هو الآخر. لكن عبس تضعه دوماً في المشهد ذاته، بتناقض مع البنيّ الدافئ لشخصية أخرى، كما في «الراقصون»، أو مع الأحمر، الذي يبرز في معظم لوحاتها. هكذا، تبعد عبس جو الانسجام عن الثنائي في اللوحة، فيبدو كلّ واحد كأنّه في عالمه الخاص، بعيداً عن الآخر. في «سردها» لقصصهم، تحافظ عبس على مسافتها بعيداً عن شخصياتها، فيدخل أسلوب الكاريكاتور إلى بعض الأعمال، وخصوصاً في تناقض الأحجام. في «إغواء» مثلاً، ترسم امرأة بالغة النحافة في ثيابها الداخليّة مع ساقين منتفختين. كأنها تنتقد أو تسخر من شخصياتها وحياتهم. في إحدى زوايا المعرض، تلحظ لوحة كلاسيكيّة، مختلفة في أسلوبها عن أسلوب عبس، وأخرى غير منتهية. الأولى هي أول لوحة رسمتها الفنانة، التي لم تكن قد اختارت خطّها الفني بعد. والثانية هي لوحتها الأخيرة غير المنتهية «وحيد»، التي بدأت رسمها قبل استقلال طائرة الموت.

المعرض يختتم اليوم في «غاليري عايدة شرفان» (وسط بيروت). للاستعلام: 01/983111